وا إسلاماه 14- معركة عين جالوت

الاستماع للمقالة:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أبنائي طلاب وطالبات الصف الثاني الثانوي. يسعدني في موقعنا الذي يهدف إلى نشر العلم النافع بالمجان الماس لتطوير الذات والتعلم الذاتي mr-mas.com أن أقدم لكم قصة وا إسلاماه - الفصل الرابع عشر . وا إسلاماه 14- معركة عين جالوت . ضمن منهج اللغة العربية. ترم تانى .

    وا إسلاماه 14- معركة عين جالوت

    والجديد والجميل في هذه الصفحة بفضل الله هو عرض نص الفصل الرابع عشر من قصه وا اسلاماه مكتوبا مع معاني الكلمات الصعبة بطريقة شيقة وجذابة. بحيث يتم الضغط على الكلمة وذلك للتوصل للمعنى أو المضاد أو المفرد أو الجمع وذلك للكلمة الملونة باللون الأحمر . وكذلك تم تحويل الفصل الرابع عشر وا إسلاماه 14- معركة عين جالوت. إلى سؤال وإجابة للتمكن من تحليل كل النقاط المهمة في الفصل من قصه وا إسلاماه .

    نبدأ أولا بفيديو لملخص الفصل الرابع عشر معركه عين جالوت . بالرسوم المتحركة (الكارتون cartoon) . اضغط هنا على هذا الرابط لبدء تشغيل فيديو الفصل الرابع عشر من قصة  وا اسلاماه. ضمن منهج تانيه ثانوي ترم تاني .

    ***

    جهود الملك المظفر للاستعداد للمعركة:

    قضى الملك المظفر عشرة أشهر من ملكه لم يعرف للراحة طعما، ولم ينم إلا غرارا (قليلا من النوم)، بل ملأ ساعاتها كلها بجهود تنوء (تتعب، وتثقل) بها العصبة (الجماعة) أولو (أصحاب) القوة فقد كان عليه أن يوطد (يثبت، المضاد يضعف) أركان عرشه بين عواصف الفتن وزعازع (رياح شديدة) المؤامرات، ويدبر ملكه، ويقضي على عناصر الفوضى والاضطراب، ويضرب على أيدى المفسدين والدساسين، ويقبض بيد قاهرة على أزمة السياسة الجامحة (النافرة)، ويعالج الأمراء المماليك، ويستعمل مع بعضهم اللين ومع أخرين الشدة، وكان عليه أن يقوى الجيش، ويضاعف عدده، وأسلحته وعتاده ويجمع له المؤن والذخائر والأقوات، ويحصل لذلك كله الأموال الكافية وكان عليه أن يسكن القلوب الوجلة (الخائفة، المضاد الآمنة) من قدوم التتار، وينفخ فيها روح العزم على مقاومتهم على كثرة المخذلين من الأمراء المعوقين عن قتالهم، الداعين إلى مسالمتهم والخضوع لهم.
    ولولا ما خصه الله به من قوة البنية، ومتانة الأعصاب، ومضاء العزيمة، وصرامة (قوة) الإرادة وصدق الإيمان، والعقيدة القوية بأن الله قد هيأه وأعده للقيام بكسر التتار وطردهم من بلاد المسلمين لما استطاع أن ينجر فى بضعة أشهر، ما يعجز غيره عن القيام ببعضه في بضع سنوات فقد خلق الجيش المصرى خلقا جديدا، ونفخ فيه روح الفداء والاستماتة فى الدفاع عن الدين والوطن، وأفاض عليه من شجاعته وحماسته، فإذا هو يتوقد حماسة للقتال، ويحن شوقا للجهاد فى سبيل الله، وقد استطاع أن ينزل السكينة والطمأنينة فى قلوب سواد الناس بعد أن كانت ترجف هلعا من ذكر التتار، وأن يبذر فيها الثقة واليقين بأن مصر ستفلح فى رد غارات التتارعنها، بل طردهم من بلاد الشام، كما أفلحت من قبل فى رد الصليبيين على أعقابهم.

    السلطانة جلنار تساند زوجها:

    وكانت زوجته وحبيبته السلطانة جلنار تشد أزره فى ذلك كله وتشجعه على المضي فى هذه السبيل الوعرة (الصعبة المضاد السهلة). فكانت تسهر الليل معه وتشاطره (تشاركه) همومه وآلامه، وتمسح بيدها الرقيقة شكواه، كلما ضاق صدره بتخاذل الأمراء عن طاعته ونيلهم منه في مغيبه، ونفاقهم له في مشهده، وإلقائهم العواثير (العقبات) في طريقه. وكان ربما أنساه انهماكه (انشغاله) في عمله الدائب طعامه وشرابه فعنيت بتقديمهما بنفسها إليه، وإذا أنهكه (أضعفه) السهر فى أعقاب الليل، قامت إليه، فأخذت بيده وقادته إلى فراشه؛ ليأخذ نصيبه من نومه وراحته. وكانت لا تفتأ تملأ قلبه بالفوز فيما ندب نفسه للقيام به، فيزداد يقينه ويتضاعف إيمانه وكانت تقول له : "إنني سأخرج معك إلى ميدان القتال؛ لأرى مصارع (مقاتل) الأعداء بعينى فيشفى بذلك صدرى"، فيقول لها: "أخشى عليك يا حبيبتى من سهامهم"، فتقول له : "لن أخشى على نفسى ما لا أخشاه عليك، ولكي تطمئن عليّ سأكون وراء الجيش فى مأمن من سهامهم وكراتهم".
    - أما تخافين أن يخلصوا إليك فى أثناء الكر والفر، فتقعى أسيرة فى أيديهم ؟ - أنا ابنة جلال الدين لا يخلصون إلى وجوادى معى ينجو بى منهم، أما تذكر يا محمود أيام كنا نتبارى على جوادينا، فتسبقنى حينا وحينا أسبقك ؟ فيضحك الملك المظفر ويعانقها قائلا: "أجل أذكر ذلك يا جهاد ! كيف أنسى تلك الأيام السعيدة ؟".

    الدعوة للجهاد فى سبيل الله:

    ورأى الملك المظفر عندما انسلخ (مضى، وانتهى) الشهر العاشر من حكمه أن قد تكامل جيشه وأصبح كافيا بحول الله وقوته لملاقاة التتار. فأراد أن ينتظر بهم شهر رمضان، حتى إذا انقضى تحرك بجيشه لقتالهم، ولكن حركات التتار صوب الديار المصرية كانت أسرع من أن تدع له انتظار شهر رمضان حتى ينقضى. فقد وردت الأنباء بأن طلائعهم قد بلغت غزة وبلد الخليل، فقتلوا الرجال، وسبوا النساء والصبيان، ونهبوا الأسواق، وسلبوا الأموال، وارتكبوا الفظائع كعادتهم، فلم يسع السلطان إلا العزم على الإسراع لملاقاتهم والتعجيل بالخروج.
    وكان شهر رمضان قد دخل، وصام الناس بضعة أيام منه، جينما نودى فى القاهرة وسائر مدن القطر المصرى وقراه، بالخروج إلى الجهاد فى سبيل الله، ونصرة دين رسول الله صلى الله عليه وسلم تردد هذا النداء العظيم فى جميع أرجاء القطر، فخالط الناس شعور عجيب لم يعهدوا له مثيلا من قبل، وأحسوا كأنهم خلق آخر غير ما كانوا، وأنهم يعيشون فى عصر غير عصرهم ذاك - فى عهد من عهود الإسلام الأولى حين كان الصحابة رضوان الله عليهم يلبون دعوة الرسول عليه الصادة والسلام، فينفرون (يسرعون للقتال) خفافا (نشيطين) وثقالا (محملين بالأسلحة)، يجاهدون معه المشركين ويبتغون إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة، حتى يجعلوا كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا.
    وطغى هذا الشعور على جميع طبقات العامة، حتى كف الفسقة عن ارتكاب معاصيهم وامتنع المدمنون عن شرب الخمور، وامتلأت المساجد بالمصلين، ولم يبق للناس فى البيوت والأندية والمساجد والطرقات من حديث إلا حديث الجهاد!.

    تخاذل بعض أمراء المماليك عن الخروج للقتال:

    وأمر الملك المظفر الأمراء والقواد بدعوة أجنادهم، وإعدادهم للمسير إلى الصالحية وأن يضرب بالمقارع (المضارب) كل من وجد مختفيا ، منهم، وتقدم هو بالمسير، حتى نزل بالصالحية ينتظر تكامل الجنود. فلما تكاملت طلب الأمراء، وكان قد أنس ازورارا (انحرافا) من جانبهم، وميلا إلى القعود والتخلف، فتكلم معهم في الرحيل للقاء العدو، فأبى ذلك عليه جماعة كبيرة من الأمراء، كانوا قد تعاقدوا على عصيان الملك المظفر واعتذروا له بأن الرأى هو أن يبقوا هنالك حتى تأتى جموع التتار فيصدوها عن البلاد، فغضب الملك غضبا شديدا حتى انعقد لسانه ولم يستطع الكلام برهة من الزمن ثم انفجر يخاطبهم قائلا : "بئس الرأى الضعيف رأيكم ! أما والله ما حملكم على هذا إلا الجبن والهلع من سيوف التتار أن تقطع رقابكم هذه التى سمنت من أموال الأمة ؟ ألم تعلموا يا أمراء السوء أنه ما غزى قوم في عقر (وسط) دارهم إلا ذلوا ؟ يا أمراء المسلمين! لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للقتال كارهون، وما أشبه الليلة بالبارحة ! وما أشبهكم بأولئك المنافقين فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول الله فيهم : { ولو أرادوا الحـروج لأعدوا له، عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم (عوقهم) وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا (هلاكا) ولأوضعوا خلالكم (بينكم) يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم يالظالمين * لقد ابتغوا الفتتة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون}. [التوبة: 46 : 48].
    والله لأتوجهن بمن معى لقتال أعداء الله، فمن اختار الجهاد منكم فليصحبنى، ومن لم يشأ فليرجع إلى بيته غير مأسوف عليه، فإن الله مطلع عليه، وتبعة حريم المسلمين فى رقاب المتأخرين !".
    ولم يكد يتم كلامه حتى أشار على الأمراء الذين ثبتوا معه على رأيه بأن يعتزلوا ناحية وطلب منهم أن يبايعوه على المسير لجهاد التتار، فبايعوه على ذلك حتى الموت، فما وسع الباقين إلا الموافقة، فأخذوا يتسللون واحدا بعد واحد، فيبايعونه على المسير حتى لم يبق منهم أحد إلا بايع.

    السلطان يعسكر بقواده في الصالحية:

    وأمسى الليل والصالحية مدينة كبيرة من المضارب والخيام يتوسطها المخيم السلطاني. ولم تنقطع حركة الجمال والبغال تحمل المؤن والذخائر والأثقال، فيتلقاها الرجال المكلفون بذلك، وأصدر الملك المظفر أوامره بأن يأخذ الجنود قسطهم (نصيبهم) من النوم والراحة، ورتب طوائف كبيرة من الجنود ليسهروا على بعد من حدود الجيش، ولا سيما فى الجهة الأمامية نحو الشام، حى لا تأتى طلائع العدو، فتبيد المعسكر على غرة.
    ويقوم على المخيم السلطانى مجاز (مكان للعبور) تحرسه فرقة من الحرس الملكي ولا يؤذن لجندى من غير الأمراء أن يمر فيه .

    تشاور السلطان مع الأمراء فى خطط المعركة:

    وكان مع الملك المظفر في مخيمه الأمير بيبرس والوزيز يعقوب بن عبد الرفيع والأتابك أقطاى المستعرب، وعلى مقربة منه مضارب ملوك الشام اللاجئين. وكان السلطان يتشاور مع هؤلاء فى رسم الخطط للهجوم على العدو فكان يعرض الرأى فيناقشونه فيه، فيستمع إلى اعتراضاتهم واقتراحاتهم بانتباه شديد، فيرد على هذا برفق، ويتلقى رأى هذا بالقبول والاستحسان، ثم يستخلص من ذلك كله الرأى الذى يصمم عليه، بعدما أشعرهم جميعا بأن الرأى رأيهم وليس رأيه وحده فلما انتهوا من ذلك عرض الملك المظفر على الأمير بيبرس أن يأخذ نصيبه من النوم، وأشار على الأخرين بمثل ذلك وقال لهم : "إنكم ربما لا تذوقون النوم غدا ومساء غد"، فشكروه وانصرفوا إلى مخادعهم إلا أتابكه الأمير أقطاى المستعرب فقد بقى مع السلطان.

    حوار بين السلطان والأتابك أقطاى المستعرب:

    وبعد أن ساد الصمت بينهما برهة شكا إليه السلطان من تخاذل الأمراء فى مثل ذلك الوقت الحرج، ونعى عليهم (عاتبهم، وأنبهم) غرامهم بالخلاف والمكابرة وقلة شعورهم بالتبعة الملقاة على عواتقهم في دفع الأعداء المتوحشين عن الوطن وإنقاذ بلاد الإسلام منهم.
    فقال له الأتابك : "هون عليك يا مولاى، فإن فى مضاء عزمك ما يأخذ المسالك (الطرق) على تخاذلهم وقد فعلوا ذلك مرارا فما لبثوا أن انصاعوا (خضعوا) لأمرك ونزلوا على حكمك، فاحتملن ذلك منهم فأنت أهل للاحتمال".
    قال السلطان: "إنى قد أحتمل هذا منهم فى وقت السعة والأمن، ولكنى لا أستطيع احتماله فى وقت الضيق والحرب، وإنى سائلك فلتجبنى بدون مواربة (إخفاء) ... ما رأيك في الأمير بيبرس ؟". قال أقطاى : "ليس المسئول عنه بأعلم من السائل"، فبدره (سبقه) السلطان قائلا: "أريد أن أعرف أما يزال يتصل بالأمراء سرا ويحرضهم على ؟ ". فأجابه الأتابك : "ما أظن ذلك يا مولانا، ومبلغ علمى به أنه منذ يوم القلعة إذ عاهدك على قتال التتار وفي بما عاهدك عليه، فلم يحرضهم على العصيان، ولم يحاول أن يصرفهم عنه وإذا كان فيهم وسمع شينا من ذلك سكت ولم يشترك معهم".
    قال السلطان: "ولكن هذا السكوت هو الذى أتعبنى منه يا أقطاى". فقال الأتابك : "ولكن مولانا قد رضى هذا السكوت منه". فقال السلطان: "نعم قد رضيته منه، ولكنى كنت أحسبه يرجع إلى صوابه فيما بعد، ويخلص للأمر الذى نعمل له، فلا يدع هؤلاء يتأمرون على عصيانى بين سمعه وبصره دون أن يصدهم عن ذلك بفعل أو قول، ألا ترى معى يا أقطاى أنه لولا وجود بيبرس، وحياده هذا لما اجترأ أصحابه هؤلاء على شيء مما فعلوه ؟ ". قال أقطاى : "الأمر لمولانا السلطان، إذا شاء أنفذت أمره فى أكبر رأس يشتمل عليه هذا المعسكر".
    قال السلطان: "لا يا أقطاى لا نستغنى عن بيبرس، إنى لا أريد أن أحرم المسلمين شجاعة هذا الرجل وقوته. وقد رأيت منه انبعاثا للخروج ورغبة صادقة فى قتال التتار، ولعل الله ينصر به المسلمين نصرا مؤزرا (قويا)". وأشار السلطان على أتابكه أن ينام قليلا ليستريح، واضطجع هو على فراشه فنام نومة خفيفة وكذلك فعل الأتابك.

    تحرك السلطان قطز بالجيش المصرى:

    ولما كان الهزيع (الجزء) الأخير من الليل هب السلطان من نومه، وأيقظ أتابكة، وأوعز إليه (أشار عليه) أن يصدر الأوامر للجنود بالسرى (السير ليلا) فهب المعسكر كله من نومه وأخذ فى الاستعداد للمسير، وبينما هم كذلك إذ بلغ السلطان تلكؤ (تباطؤ) الأمراء عن المسير فلم يكترث بهم، ولم يقل لهم شيئا بل ركب هو وركب معه رجاله وقال : "أنا ألقى التتار بنفسى !" فلما رأى الأمراء المتلكئون ذلك منه أدركهم الخجل فركبوا معه على كره.

    بيبرس يستولى على غزة:

    وكان السلطان قد أمر الأمير بيبرس أن يتقدم في جمع من الجنود ليكون طليعة يعرف له أخبارالتتار، فسار بيبرس والجمع الذى معه سيرا حثيثا حتى وصل غزة وبها طلائع التتار، فناوشهم القتال فانهزموا، إذ فطنوا أن وراءه جيشا عظيما وتركوا له غزة فدخلها ونزل فيها بجمعه حتى وافاه السلطان بالجنود فأقام فيها يوما يستجم (يستريح) ويدبر الخطط.

    السلطانة جلنار تصل إلى المخيم السلطانى:

    وهناك وافته السلطانة جلناز راكبة على جوادها وهى بملابس الفرسان من الأمراء إلا قناعا من الحرير الأسود مسدولا على وجهها لولاه لقل من يستطيع تمييزها عنهم، وتصحبها جاريتان حبشيتان على بغلتيهما ويسير حولها جماعة من المبيد السود يجرسونها ويقومون بخدمتها، فضرب لها مخيم خلف المخيم السلطانى جعل السلطان يتردد عليها فيه.

    اتجاه السلطان قطز إلى عكا :

    ولاح (ظهر، المضاد اختفى) للسلطان أن عكا بيد الفرنج، وأنهم قد يغدرون بالمسلمين عندما يلقون التتار فيطعنونهم من الخلف، فرأى أن يقطع عليهم هذا السبيل فتوجه إلى عكا من طريق الساحل بعدما بعث إليها رسلا من قبله، حتى إذا شارفها (دنا منها، المضاد ابتعد عنها)، وعلم أهلها بدنوه منهم خرجوا إليه بالألطاف (التحف) والهدايا، فقال لهم السلطان: "إنه لا ينوى بهم السوء ولم يخرج لقتالهم، وإنما خرج لقتال التتار، فعليهم أن يلزموا الحياد التام". فخافوا منه وألطفوا له القول، وأعربوا (أظهروا) له عن إخلاصهم وولائهم له.
    وعرضوا عليه أن يسيروا معه نجدة من الجنود، فشكرهم وقال لهم : "إن جيشه لا يحتاج إلى معونة أحد". ثم استحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه، وأقسم لئن تبعه فارس منهم أو راجل يريد أذى المسلمين ليرجعن إليهم فيقاتلهم قبل أن يلقى التتار.
    وكان هؤلاء الفرنج قد كاتبوا التتار قبل ذلك يعلمونهم بأنهم معهم على المسلمين، وأنهم على استعداد ليجيئوا المسلمين من خلفهم إذا تقدموا لقتالهم، ولكنهم لما رأوا انهزام طلائع التتار وجلاءهم من غزة خشوا أن ينقض عليهم المسلمون فأتبعوا سبيل الوفاق معهم، ولم يكتف السلطان بوعدهم وأيمانهم حتى شرط عليهم أن يبقى في الحصون القائمة على منافذ عكا حاميات من عسكره؛ ليضمن بذلك بقاءهم على الحياد، فوافقوا على ذلك مكرهين (مجبرين).

    خطبة السلطان فى الجيش المصرى:

    ورحل السلطان عن عكا حتى إذا عسكر بعيدا عنها، جمع الأمراء والقواد ومقدمى الجنود فوقف بينهم خطيبا على جواده وجعل يحضهم على قتال العدو ويذكرهم بما حاق (نزل) بأهل الأقاليم من القتل والسبى والحريق، ويخوفهم وقوع مثل ذلك لهم ولبلادهم. ثم حثهم على استنقاذ بلاد الشام من أيدى التتار، ونصرة الإسلام والمسلمين، وحذرهم عقوبة الله وغضبه إذا هم قصروا فى جهادهم فضج السامعون بالبكاء، وتحالفوا على الصدق والاجتهاد فى قتال التتار، وحينئذ دعا السلطان الأمير بيبرس وأمره أن يسير بكتيبة من الجنود؛ لتكون طليعة له، فصدع بيبرس بأمر السلطان وسار بكتيبته حتى لقى طلائع التتار، فكتب إلى السلطان يعلمه بذلك وأخذ يناوشهم فتارة يقدم عليهم، وتارة يحجم عنهم، يبغى بذلك مشاغلتهم وعدم الاشتباك معهم فى معركة فاصلة، واستمر على ذلك حتى وافاه السلطان عند عين جالوت فنزل بجنوده فى الغور (المكان المنخفض) ولما رأى طلائع التتار قدوم الجيش المصرى لزموا مواقعهم ينتظرون تكامل جموعهم المقبلة.
    وكان الجيش طوال مسيره من الصالحية إلى غزة، ومن غزة إلى عكا، ومن عكا إلى عين جالوت يردد الأناشيد الحماسية.

    ليلة المعركة الفاصلة:

    وأمست ليلة الجمعة لخمس بقين من شهر رمضان والسلطان مخيم بجنده فى الغور، ومن دونهم معسكر التتار تتوارد (تأتى) إليه جموعهم طوال الليل، وكلا الفريقين ينتظر النهار، ولا يشك فى أن غدا سيكون يوم الفصل، ولم يأو الملك المظفر إلى فراشه ليلته هذه، بل قضاها فى ترتيب الجنود وتعيينهم في مواقعهم، وإصدار الأوامر إلى قوادهم ومقدميهم، والتفكير فى خطط الهجوم، ولما غلبه النعاس من شدة التعب نام على مقعده، ولم يضع جنبه على الأرض.
    وكان فى خلال ذلك يكثر من ذكر الله، وتلاوة ما يحفظ من آيات القرآن وسوره، ويطرق من حين إلى حين مخيم زوجته فيطمئن عليها ويخرج .

    عودة هولاكو إلى بلاده:

    وكان هولاكو قد رحل من حلب يريد بلاده لأخبار وصلت إليه بوفاة أخيه منكو خان ملك التتار، وأناب عنه فى قيادة جنوده قائده الكبير كتبغا وأمره بمواصلة الغزو إلى مصر. ولكنه لما وصل إلى بلاد فارس، بلغه مسير سلطان مصر بجيوشه العظيمة الجرارة، فأقام بها ينتظرما تتمخض به الحوادث.

    معركة عين جالوت:

    ولما طلع الصباح تراءى الجمعان فتهيب كلاهما لقاء الأخر لأنه يعلم أن المعركة التى هو خائضها (مقتحمها) ستقرر مصيره، وحبس كليهما عن التقدم للقاء الأخر حابس. أما التتار فلم يصل كتبغا قائدهم الكبير فوقفوا ينتظرون قدومه. وأما المسلمون فقد انتظر بهم الملك وقت صلاة الجمعة؛ ليباشروا قتال أعدائهم وخطباء المسلمين على المنابر يدعون لهم بالتأييد والنصر.
    ووصل كتبغا قبل الزوال بساعة فما لبث أن رتب جنوده وساقها للقاء الملك المظفر. وكان الملك المظفر إذ ذاك قد عين جنوده فى مواقعهم فجعل الأمير ركن الدين بيبرس على ميسرته والأمير بهادرالمعزى على ميمنته، وكان هو على القلب وحوله جماعة من أبطاله ومماليكه بينهم الصبي التترى الذى كان استبقاه من رسل التتار، واتخذه مملوكا له، ووكل به من علمه فرائض الدين، فكان يسير معه لا يكاد يفارقه. وكان الملك المظفر يحبه لذكائه وفطنته ويقول له : "أنت ملك التتار"، فكان رجال المظفر يدعونه دائما ملك التتار، وكان الصبى يزهو (يعتز، ويفتخر) بذلك فيضحكون له .

    هجوم المسلمين على التتار:

    وما لبث الجيشان أن تقاربا، فأخذت سهام التتار تمرق (تخترق) فى صفوف جيش الملك المظفر فتجرح وتقتل فيه. فلما اشتد ذلك على الجند أمر السلطان رجاله بالهجوم عليهم، فاندفعوا إلى الأمام حتى تصافحت الصفوف الأمامية من كلا الفريقين بالسيوف. واشتد القتال واستبسل (تشجع) الفريقان استبسالا عظيما، واستحر (اشتد) فيهما القتل، إلا أن الجند كانوا لذلك الحين ظاهرين (منتصرين) على أعدائهم.
    وكان الملك المظفر في وسط القلب ينظر إلى القتال بصدر منشرح، كأنه سره أن يرى أصحابه يهجمون على التتار بعد أن كانوا يخشون لقاءهم ويفطنون أنهم قوم لا يغلبون لكثرة ما سمعوا من أخبار شجاعتهم وتوحشهم وهو يدفع أبطاله ويحض رجاله على التقدم.

    السلطانة جلنار تحمى زوجها وتنال الشهادة:

    وكانت السلطانة جلنار قد جعلت همها حماية زوجها من الغيلة (الخديعة)، فجعلت تلاحظه وهى على جوادها من تل مرتفع خلف السلطان وتراقب من حوله، فرأت خمسة فرسان من التتار اندفعوا كالسهم إلى جهة السلطان، فوجئ السلطان ودهش، وفوجئ من حوله من الرجال فاضطربوا، ولكن السلطان تلقاهم بسيفه فجندل (صرع، وقتل) ثلاثة منهم. وإذا بفارس تترى قد رمى السلطان بسهم من خلفه فأخطأه وأصاب الفرس فترجل السلطان وقصده الفارسان التتريان، فجعل يحيص (يحيد، ويفر) عنهما، ثم قصد أحدهما فضرب قوائم فرسه فوقعت به وكاد الفارس التترى الأخر يعلو السلطان بسيفه لو لم يبرز له فارس ملثم شغله عن ذلك، فاختلفا ضربتين بالسيف فخرا (سقطا) صريعين.
    وصاح الفارش الملثم : "صن نفسك يا سلطان المسلمين ! ها قد سبقتك إلى الجنة !" وكان هذا الفارس قبل ذلك قد أطار رأس الفارس التترى. وكان فرسان الحرس السلطانى قد ثاب (رجع، وعاد) إليهم رشدهم إذ ذاك فاجتمعوا حول السلطان وقبضوا على الفارس الذى ضرب السلطان قوائم فرسه فقتلوه، وسدوا الثغرة الأمامية وتكاثفوا فيها دون السلطان فلم يدعوا أحدا يقترب منه، وتذكر السلطان صوت الفارس الملثم فارتاب فى أمره فقصد إليه وكشف عن وجهه فإذا السلطانة جلنار وهى تجود بنفسها، فهاله الأمر وحملها وهو لا يعقل ما يفعل، وبعث إلى بيبرس وهو على الميسرة ليحل محله فى القلب وانفتل (انصرف) هو منطلقا إلى المخيم فلقى أقطاى الأتابك على الباب فقال له: "لا تُرع هذه سلطانتك جريحة، فعليّ بالطبيب والجاريتين".
    فذهب أقطاى ليحضرهم، وأضجعها السلطان على فراشه وجعل يقبل جبينها والدموع تنهمر من عينيه وهو يقول لها: "وا زوجاه! وا حبيبتاه". فأحست به ورفعت طرفها إليه وقالت له بصوت ضعيف متقطع وهى تجود بروجها فى السياق (نزع الروح): "لا تقل: واحبيبتاه... قل: واإسلاماه!". وما لبث أن لفظت الروح بين يديه حين حضرت الجاريتان الحبشيتان مرتاعتين وخلفهما الطبيب، فطبع السلطان على جبينها القبلة الأخيرة، ومسح دموعه ونهض تاركا زوجته الشهيدة للطبيب والجاريتين يتولون تجهيزها، وخرج من المخيم فامتطى جوادا طار به إلى ساحة القتال.

    أثر استشهاد السلطانة على المسلمين والتتار:

    وكان قد شاع فى جند الجيش خبر مصرع السلطانة جلنار وانتشر فيهم كالنار فى الهشيم، وخالطهم من ذلك أسف ووجوم. وشاع فيهم أيضا أن السلطان احتملها إلى المخيم، وترك مكانه للأمير بيبرس، فلما رأوه عاد إلى محله صاحوا جميعا : "الله أكبر". وتمثلت لهم بطولة السلطانة الصريعة، فشعروا بهوان أنفسهم عليهم وحموا واستبسلوا.
    ولما رأى التتار ذلك - وكانوا قد فرحوا بغياب السلطان، وظن كثير منهم أنه قتل - حموا أيضا واستماتوا فى الهجوم فاضطربت ميمنة الجيش التى عليها الأمير بهادر، حتى صار صف الجيش خطا مائلا، مقدمة الميسرة عليها بيبرس، ومؤخرة الميمنة التى انكشفت حتى تعرض القلب لهجمات التتار الحامية، وقد أدركوا أن فيه السلطان فاندفعوا لاختراقه، وضغطوا عليه حتى تقهقر قليلا، فكاد يوازى الميمنة المنكشفة، وصار الصف بذلك أشبه بضلعين لزاوية منفرجة.

    السلطان يقاتل الأعداء باستماتة:

    وعندما تقدم السلطان قليلا إلى الأمام فكشف عن خوذته وألقى بها إلى الأرض وصرخ بأعلى صوته ثلاثا: "وا إسلاماه !" وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة، وتردد صوته هذا فى أرجاء (نواح) الغور، فسمعه معظم الجنود ورددوه معه، وحملوا حملة عنيفة انتعشت بها الميمنة، فتقدمت ببطء شديد من كثافة جموع التتار الذين حاولوا منها أن يطوقوا الجيش، وبصر السلطان بكتبغا قائد التتار، وقد حمى واستبسل وهو يضرب بسيفين. وكلما عقر جواده استبدل به جوادا آخر، وكأنما كان يترقب (ينتظر) الفرصة ليشق لبعض مقديى رجاله منفرجا يصلون به إلى السلطان.

    بطولة بيبرس وثباته :

    وكان الأمير بيبرس إذ ذاك يحض بعض أصحابه على القتال، ولا يدع مجالا للتقهقر مهما اشتد بهم الضغط فكأنما كانوا مقيدين بسلسلة طرفاها فى يده، فثبتوا ثبات الرواسى (الجبال الثابتة)، وكثر القتل فيهم وفى أعدائهم حتى أنهم ليطئون (يدوسون، أو ينزلون) بحوافر خيولهم على جثث قتلام وصرعاهم، وكان يزج بنفسه فى مقدم الصف فيجندل من أبطال العدو ثم يتراجع ويغوص بين أصحابه ويطوقهم من الخلف يحرضهم ويدفعهم إلى الأمام، وما أسرع ما يمرق من خلال صفوفهم حتى يبرز إلى المقدمة من ناحية أخرى، وهكذا دواليك.
    وكان فى كل ذلك حذرا كأنما ينظر بألف عين، لا تفوته أقل حركة يقوم بها العدو، ولا أى تضعضع (ضعف)، يبدو من قبل أصحابه، وكان مع ذلك موكل الطرف بالشجعان المعلمين من رجال العدو يتخير أشدهم على جنده فيفجؤه بضربة لا تمهله فربما قده (شقه) وقد جواده معه ! وربما أطار رأسه فوثب الجواد بجسم لا رأس له ! وكثيرا ما وكل ذلك إلى أحد أبطال رجاله فيقول له : "اقتل هذا الفارس وخلاك ذم !".
    وكان من جراء شجاعة بيبرس وصرامته أن تحامى العدو الميسرة واستضعفوا الميمنة واندفعوا إليها حتى كان من أمرها ما كان، ولم يفت بيبرس أن العدو لما رأى قوة الميسرة أمر ميمنته بالتأخر قليلا والانتشار إلى الغرب، وغرضه من ذلك أن تندفع ميسرة الجيش إلى الأمام فيقوموا بتطويقها فأبطل عليهم تدبيرهم هذا، إذ أمر رجاله بالانتشار إلى الغرب أيضا وجعل تقدمه ببطء وحذر ريثما يرى ما يكون من ميمنة الجيش والقلب، حتى إذا سمع صرخة الملك المظفر: "وا إسلاماه!" ورأى القلب يتقدم ويكر على صفوف الأعداء وأدرك بفطنته أن السلطان يريد أن يطوق ميسرة التتار ويفصلها عن قلبهم إذ رآه يندفع بشطر من القلب فاخترق به صفوفهم - رأى الفرصة سانحة حينئذ ليقوم بحركة تطويق لميمنة التتار وقلبهم حتى يحصرهم بين ميسرته وبين الشطر الأخر من قلب المسلمين، فأمر رجاله بالتقهقر قليلا ليندفع العدو إلى الأمام، وبالانتشار إلى الغرب ثم التقدم إلى الأمام فى شكل هلالي ينتهى طرفه الشمالي بخط مائل إلى الغرب، ليسد بذلك على العدو سبيل الالتفاف، ثم أمر رجاله أن يضغطوا شيئا فشيئا على العدو فأخذ مجال العدو يضيق من ذلك الحين.

    اندفاع السلطان قطز ليقاتل قائد التتار:

    وكان الملك المظفر يقاتل قتال المستميت حاسر (مكشوف) الرأس، وقد احمر وجهه، وانتفش شعره، فصار كأنه قطعة من اللهب يعلوها إعصار من الدخان الأسود، وكان الناظر إليه - وهو يتقدم الصفوف ويضرب بسيفه ذات اليمين وذات الشمال، فكلما اعوج له سيف التمس له سيفا آخر ورمى الأول فى وجوه العدو، وكلما جندل بطلا من أبطال العدو صاح : "الله أكبر" - يشفق عليه، ولا يشك فى أنه يتعرض للشهادة، وأنه عما قليل سيصاب. فعظم ذلك على خواص رجاله المخلصين لما رأوا من قلة حذره وتهاونه بنفسه إلى حد التهور (الاندفاع) ، فعزم أبطالهم على أن يقوه بأنفسهم ما استطاعوا، فكان لا يتقدم خطوة إلى الأمام إلا تقدموا معه محيطين به فى نصف دائرة فاستحر القتل فيهم ولم يثنهم (يمنعهم) ذلك عن الاندفاع معه إلى حد التهور، إذ لا سبيل لهم مع ذلك إلى الأخذ بجانب الحيطة والحذر.
    وبصر السلطان بسهم يصوب نحوه فشد عنان جواده فوثب الجواد قائما على رجليه، فنشب السهم فى صدر الجواد فتداعى (سقط) ونزل عنه السلطان ومسح عرقه وهو يقول : "فى سبيل الله أيها الرفيق العزيز!"، واستمر السلطان يقاتل راجلا وهو يصيح : "إلى بجواد!" فأراد بعض أصحابه أن ينزل عن فرسه فأبى السلطان عليه ذلك وقال له : "اثبث مكانك ما كنت لأمنع المسلمين الانتفاع بك فى هذا الوقت". وبقى يقاتل راجلا حتى جىء له بفرس من الجنائب (الاحتياطى) فامتطاه وتوغل بشطر كبير من جيشه فيما بين قلب العدو وميسرته، وبعث إلى الأمير بهادر قائد الميمنة بما عزم من تطويق ميسرة العدو، فأمر الأمير بهادر رجاله بالانتشار إلى الشرق فى اتجاه شمالي.
    وبقي الملك المظفر يحث أصحابه على توسيع المجال الذى اخترقه فى صفوف العدو؛ ليقيم بذلك برزخا (حاجزا) قويا بين ميسرة العدو وسائر جيشه، فلم يزل البرزخ يتسع بما يندفع فيه من صفوف الجيش المصري، وكان القتال أخفى ما يكون فى جانبى البرزخ، ولا سيما فيما يلى قلب العدو، حيث يُرى كتبغا كبير التتار وقد استكلب (اشتد) في القتال وهو يقاتل بسيفه وخواص رجاله يقونه (يحمونه) بأنفسهم من الضربات فيضرعون، أمامه وحواليه، والملك المظفر يتردد بين البرزخ إليه، فأراد المظفر أن يلقاه، فتقدمه أصحابه يبغون أن يصدوه عن ذلك إشفاقا عليه، والسلطان يقول لهم : "دعونى له ليس له قاتل غيرى ! أريد أن أقتله بيدى !".

    الأمير جمال الدين أقوش الشمسى يقتل كتبغا:

    فلما أعياهم ذلك انتدب أحد أبطالهم وهو الأمير جمال الدين أقوش الشمسي - وكان يقاتل إلى جانب السلطان - فأبصر فرجة (فتحة) فاقتحمها إلى قائد التتار وصاح يخاطب السلطان: "يا خوند! أنا يدك لقد قتلت عدو الله بيدك!" وأهوى بسيفه على عاتق الطاغية فأبانها (قطعها)، وضربه كتبغا بيده الأخرى فصرعه من على فرسه، ولكن الأمير أقوش كان قد زج (دفع) حينئذ برمحه فى عنق الطاغية، فلما هوى من فرسه هوى الطاغية معه ورمح آقوش ناشب (عالق) في حلقه واقوش قابض على الرمح بيديه، وكبر الأمير أقوش - وسيوف العدو تتعاوره (تتداوله) من كل جانب - فكبر السلطان وكبر من حوله معه، فعرف المسلمون أن كتبغا قد هلك، فكبروا جميعا بصوت واحد ألقى الرعب فى قلوب التتار، فازداد هلعهم، واختلت صفوفهم وأخذوا يتقهقرون.

    تطويق المسلمين للتتار:

    فأمر السلطان جنود البرزخ وصفوف الميمنة أن يكملوا تطويق ميسرة العدو، واندفع باق القلب إلى البرزخ ليساعد ميسرة المسلمين التى عليها الأمير بيبرس على تطويق من لم يتمكن من الفرار من قلب العدو وميمنته، فانحصر معظم جيش العدو في هاتين الدائرتين وحيل (منع) بينهم وبين الفرار، فأوقع بهم المسلمون وأفنوهم ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح حتى امتلأ الغور بجثثهم وأشلائهم (أعضائهم) ولم يسلم منهم إلا القليل من ساقتهم الذين تمكنوا من الفرار، واعتصم منهم جماعة بالتل المجاور لمكان الوقعة، وأخذوا يمطرون المسلمين بوابل من سهامهم، وأحدق بهم المسلمون وصابروهم في القتال، وحملوا عليهم مصعدين حتى سحقوهم سحقا بعد أن كثر قتل المسلمين دون هذا التل لما لقوه من سهام التتار الى تتساقط عليهم كالمطر ولا تكاد تخطئ أهدافها.
    وانتهت المعركة وقد تهللت وجوه المسلمين فرحا واستبشارا بما أنعم الله عليهم من هذا النصر الكبير، وبما غنموا من أموال التتار مما نهبوه وسلبوه من أغنى المدن والبلاد التى مروا بها، فكانت غنيمة عظيمة لم ير مثلها في حروب ذلك العهد.

    شكر لله، وترحم على الشهداء:

    وخر الملك المظفر ساجدا لربه، شاكرا لما اجتباه (اصطفاه) من أنعمه، وأطال السجود ثم رفع رأسه، والدموع تتحادر على لحيته حتى سلم من صلاته فامتطى صهوة جواده، وخطب فى جيشه قائلا: "أيها المسلمون، إن لسانى يعجز عن شكركم، والله وحده قادر على أن يجزيكم الجزاء الأوفى، لقد صدقتم الله الجهاد فى سبيله، فنصر قليلكم على كثير عدوكم، وقال تعالى : { يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثيت أقدامكم}. [سورة محمد]. {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}. [سورة البقرة]. إياكم والزهو (الفخر، والإعجاب) بما صنعتم، ولكن اشكروا الله واخضعوا لقوته وجلاله، إنه ذو القوة المتين، وما يدريكم لعل دعوات إخوانكم المسلمين على المنابر فى الساعة التى حملتم فيها على عدوكم من هذا اليوم العظيم، يوم الجمعة وفى هذا الشهر العظيم، شهر رمضان كانت أمضى (أحد، وأقطع) على عدوكم من السيوف التى بها ضربتم، والرماح التى بها طعنتم، والقسي التى بها رميتم، واعلموا أنكم لم تنتهوا من الجهاد وإنما بدأتموه، وأن الله ورسوله لن يرضيا عنكم حتى تقضوا حق الإسلام بطرد أعدائه من سائر بلاده، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله....
    ألا فترحموا على إخوانكم الذين علم الله ما فى قلوبهم من الإيمان والخير، فاختار لهم الشهادة والجنة، واختار لكم النصر والبقاء؛ لتعودوا للجهاد فى سبيله، وما عند الله خير وأبقى، وترحموا على أمة الله سلطانتكم، فقد صدقت الله ما عاهدته عليه، وآثرت ما عنده على ما عند عبده قطز!".
    وهنا أدركته الرقة فبكى وعلا نحيبه، فبكى المسلمون جميعا، وتعالت أصواتهم بالنحيب وهم يقولون : "يرحمها الله ! يرحمها الله".
    ثم تلا السلطان قوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم برزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله. ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.[سورة آل عمران].

    مناقشة الفصل الرابع عشر من قصة وا إسلاماه

    كيف استعد قطز للمعركة الفاصلة مع التتار ؟
    قضى الملك المظفر عشرة أشهر من ملكه لم يعرف للراحة طعماً فقد كان عليه أن يوطد أركان ملكه بين :
    1 - عواصف الفتن وزعازع المؤامرات . 2 - يقضى على عناصر الفوضى والاضطراب .
    3 - يقبض بيد قاهرة على أزمة السياسة الجامحة (الحكم والسلطة) . 4 - يعالج الأمراء المماليك .
    5 - تقوية الجيش ومضاعفة عدده وجمع المؤن والذخائر والأقوات 6 - ويحصل لذلك كله الأموال الكافية .
    7 - وكان عليه أن يهدئ القلوب الخائفة من قدوم التتار .
    ما الذي ساعده على تحقيق كل هذه المهام ؟
    وهبه الله من البنية ومتانة الأعصاب وبقاء العزيمة وصرامة الإرادة وصدق الإيمان والعقيدة بأن الله قد هيأه لقهر التتار وساعده على ذلك حبيبته وزوجته جُلَّنَار التي كانت تشد من أزره وتشجعه على المضي في هذا السبيل الوعر (الصعب) فكانت تسهر معه الليل وكانت تملأ قلبه ثقة بالفوز وكانت تعده بالخروج معه لترى مصارع الأعداء .
    عجل قطز ملاقاة التتار عن الوقت الذي حدده فما الذي دعاه إلى ذلك ؟
    أراد قطز ملاقاة التتار في شهر رمضان حتى إذا انقضى تحرك بجيشه لقتالهم ولكن حركات التتار صوب الديار المصرية كانت أسرع من أن تترك له انتظاراً حتى ينقضي شهر رمضان وقد وردت الأنباء بأن طلائعهم قد بلغت غزة فقتلوا الرجال وأسروا النساء والصبيان ونهبوا الأسواق وسلبوا الأموال فلم يسع السلطان إلا العزم على الإسراع لملاقاتهم .
    ما أثر الدعوة إلى الجهاد في نفوس الشعب ؟
    خالط الناس شعور الفوز بإحدى الحسنيين - إما النصر وإما الشهادة - على جميع طبقات الأمة حتى الفسقة كفوا عن ارتكاب معاصيهم وامتلأت المساجد بالمصلين ، وخرج الناس خفافاً وثقالاً يجاهدون في سبيل الله حتى يجعلوا كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا وسار الجيش إلى الصالحية .
    "هون عليك يا مولاي فإن في مضاء (قوة) عزمك ما يأخذ المسالك (أي يسد الطرق) على تخاذلهم وقد فعلوا ذلك مراراً فما لبثوا أن انصاعوا (خضعوا) لأمرك ونزلوا على حكمك فاحتمل ذلك منهم فأنت أهل للاحتمال .." من قائل هذه العبارة ؟ وفي أي مناسبة قالها ؟
    قائلها : هو الأتابك (قائد الجيش) أقطاي المستعرب . ومناسبتها : حينما شكا إليه السلطان قطز تخاذل الأمراء في مثل هذا الوقت الحرج ونعى عليهم غرامهم بالخلاف والمكابرة وقلة شعورهم بالتبعة (المسئولية) الملقاة على عواتقهم في دفع الأعداء المتوحشين عن الوطن وإنقاذ بلاد الإسلام منهم .
    ماذا طلب قطز من الفرنج ؟
    طلب منهم أن يكونوا على الحياد وألا يتعاونوا مع التتار ضده محذراً إياهم ومهددهم بالهلاك والقضاء عليهم ، واشترط عليهم بقاء حاميات من عسكره على عكا فوافقوا مكرهين .
    لم فضل السلطان قطز أن يكون الهجوم وقت صلاة الجمعة ؟
    ليباشروا قتال أعدائهم وخطباء المسلمين على المنابر يدعون لهم بالتأييد والنصر .
    كيف كانت سياسة قطز الخاصة بالصبي التتري خطأ كبيراً ؟
    فقد وثق قطز بالصبي التتري ونسى أنه من التتار ولابد أن يحن إليهم وينتظر الفرصة السانحة ليطعن السلطان وقد تأكد ذلك عندما تلاحم الجيشان حيث اندفع الصبي التتري إلى صفوف التتار يضرب بسيفه ويعود إلى صفوف المسلمين وكانت غايته أن يعرف العدو بموقع السلطان ليتبعه فرسان منهم ويتيسر لهم قتله . لذلك كان يجب على السلطان أن يتوقع ذلك ويحتاط من هذا الصبي التتري .
    كيف خدع الصبي التتري قطز أثناء المعركة ؟
    عندما عاد الصبي من صفوف التتار ومعه خمسة من فرسان التتار اندفعوا كالسهام جهة السلطان فإذا بالسلطان يندهش ولم يصدق فتلقاهم بسيفه وقضى على ثلاثة منهم وإذا بالصبي التتري يرمي السلطان بسهم من الخلف فأخطأه وأصاب الفرس فترجل السلطان وقصده الفارسان التتريان فجعل يحيص عنهما ثم ضرب قوائم فرس أحدهما فوقعت به وكاد الفارس التتري الآخر يعلو السلطان بسيفه فبرز له فارس ملثم شغله عن السلطان ثم تصارعا معاً واختلفا (تبادلا) ضربتين بالسيف فخرا صريعين ، وكان الفارس الملثم قبل ذلك قد أطار رأس الصبي التتري .
    من الفارس الملثم ؟ وكيف عرفه قطز ؟
    الفارس الملثم : هو السلطانة جُلَّنَار . - وعرفه قطز : من خلال الصوت الذي كان ينادى عليه " صن نفسك يا سلطان المسلمين ها قد سبقتك إلى الجنة "وكان هذا الفارس قبل ذلك أطار رأس الصبي التتري .
    "وازوجتاه - واحبيبتاه" . من قائل ذلك ؟ ولمن وجه حديثه ؟ وبماذا كان الرد ؟
    القائل : السلطان قطز .
    ووجه حديثه : للسلطانة جُلَّنَار . وردت عليه : وهي - تجود بروحها - بصوت ضعيف متقطع " لا تقل واحبيبتاه " بل قل " واإسلاماه " وما لبثت أن لفظت الروح بين يديه .
    ما أثر استشهاد السلطانة في نفوس المقاتلين المسلمين ؟
    شعروا بهوان أنفسهم عليهم واستبسلوا في القتال ثم خلع السلطان خوذته وألقى بها إلى الأرض وصرخ بأعلى صوته ثلاثاً : " واإسلاماه " وحمل بنفسه وبمن معه حمله صادقة بعد أن ظن التتار أنه قتل في المعركة وتردد صوت السلطان في أرجاء الغور فسمعه معظم العسكر ورددوه معه وحملوا حملة عنيفة انتعشت بها الميمنة .
    كيف قتل كتبغا قائد التتار ؟
    تقدم الأمير جمال الدين آقوش إلى قائد التتار وأهوى بسيفه على ذراع الطاغية فأبانها (قطعها وفصلها عن جسمه) وضربه كتبغا بيده الأخرى فصرعه من على فرسه ولكن الأمير آقوش كان قد دفع برمحه في عنق الطاغية فلما هوى عن فرسه هوى الطاغية معه ورمح آقوش ناشب (عالق) في حلقه وآقوش قابض على الرمح بيديه .
    كان لمقتل كتبغا أثر كبير في قلوب التتار . وضح ذلك .
    كبر الأمير وكبر السلطان ومن حوله فعرف المسلمون أن كتبغا قد هلك مما ألقى الرعب في قلوب التتار واختلت صفوفهم حتى أفناهم المسلمون ولم يسلم منهم إلا القليل .
    ما نتيجة معركة عين جالوت ( 25رمضان 658هـ - 6 سبتمبر 1260م)؟
    انتهت المعركة بالنصر العظيم للمسلمين وحصلوا على غنائم كثيرة من التتار وقد تهللت وجوه المسلمين فرحاً واستبشاراً بما أنعم الله عليهم من النصر الكبير .
    صف شعور قطز بعد الانتصار على التتار في عين جالوت .
    خر الملك المظفر شاكراً نعمه ربه وخطب في جيشه مقدراً الدور الكبير والنصر العظيم الذي حققوه داعياً لهم بالجزاء الأوفى من الله - عز وجل - ناصحاً لهم بعدم الزهو ومحذراً من الغرور وحثهم على القضاء التام على أعداء الله .

    ***

    إذا أعجبك هذا المحتوى فلا تبخل علينا . ولا تبخل على نفسك. ولا تبخل على غيرك. وفقنا الله جميعا لكل ما يحبه ويرضاه.

    أحدث أقدم