أبو الفوارس عنترة 15- عودة إلى الديار

الاستماع للمقالة:

      سلام الله عليكم أحبابي في الله ورحمة الله وبركاته وأبنائي طلاب وطالبات الصف الأول الثانوي. يسعدني في هذه الصفحة من موقعنا mr-mas.com الذي يهدف إلى نشر العلم النافع وبالمجان الماس لتطوير الذات والتعلم الذاتي أن أقدم لكم قصة أبو الفوارس عنترة 15- عودة إلى الديار . ترم تانى . ضمن منهج اللغة العربية.

    أبو الفوارس عنترة 15- عودة إلى الديار

    والأجمل والجديد في هذا الموضوع بفضل الله تعالى هو عرض نص الفصل الخامس عشر: عوده الى الديار مكتوبا مع معاني الكلمات الصعبة بطريقة شيقة وجذابة. يتم الضغط على الكلمة للتوصل للمعنى أو المضاد أو المفرد أو الجمع وذلك للكلمة الملونة باللون الأحمر . وكذلك تحويل الفصل الخامس عشر إلى سؤال وإجابة للتمكن من تحليل كل النقاط المهمة في الفصل الخامس عشر: عودة إلى الديار . من قصه أبو الفوارس عنترة بن شداد .

    نبدأ أولا بفيديو لملخص الفصل الخامس عشر بالرسوم المتحركة (الكارتون cartoon) . اضغط هنا على هذا الرابط لبدء تشغيل فيديو الفصل الخامس عشر من قصة أبو الفوارس عنترة بن شداد. ضمن منهج أولى ثانوي ترم ثان.

    ***

    شكوك وأوهام تجول بخاطر عنترة:

    سار عنترة فى ركبه العظيم يضرب فى الصحراء عائدا إلى أرض الشربة والعلم السعدى، حتى قطع فيافى (صحارى) اليمامة ونجد، ودخل إلى أرض الحجاز، ولكنه كان كلما اقترب من وطنه خالجته (تحركت، وجالت بخاطره) الشكوك والأوهام، وأحس كأن الشعلة المتقدة (المشتعلة، المضاد المنطفئة) فى صدره تضمحل (تضعف، المضاد تقوى) وتخبو (تسكن، ويخمد لهبها، المضاد تشتعل، وتستعر)، فكان بين حين وأخر يسأل نفسه عما هناك فى تلك الأرض التى كان يتحرق لكى يعود إليها، وهل إذا عاد إليها وجد عبلة لا تزال مقيمة على عهدها ؟ لقد كان لا يزال يحمل التميمة التى أهدتها إليه يوم وداعها، وكانت ألفاظها لا تزال فى أذنيه كلما تذكرها، ولكن ألا تزال بعد تلك السنين تذكره، وتحمل له الوفاء ؟ وكان أحيانا يبلغ من الشك أن يسأل نفسه : أهو حقا يحبها كما خيل إليه ؟ أم هى لجاجة الوهم تزعم له أنه كذلك وما هى إلا الكبرياء والعناد والتطلع إلى الممنوع.
    وكان يتمثل (يتصور) نفسه كأنه لقيها وحدثها، فلا يدرى كيف يكون حديثه بعد أن فارقها تلك السنين الطويلة؟ هل يستطيع إذا رآها أن يتذلل لها كما كان يتذلل ويسمى نفسه عبدها؟ هل يستطيع أن يجد المتعة فى كلمة يسمعها ؟ أو بسمة عطف تجود (تسخو، المضاد تضن) بها عليه فتضىء (تنير، وتشرق) قلبه وتنقله إلى عالم سحرى من السعادة. ولم يخل قلبه من القلق كلما تأمل قومه بعد أن غاب عنهم تلك السنين. فهل يعود إلى عمارة بن زياد ومالك بن قراد وعمرو بن مالك وكل هؤلاء ؟ وهل يستطيع أن ينظر إليهم كما كان ينظر، وأن يغضب إذا غاضبوه، وأن يرضى إذا أقبلوا عليه ؟ هل يستطيع أن يعود إلى معاشرتهم وأن يفهمهم إذا حدثوه وأن يفهموه إذا تحدث إليهم ؟ كان كلما اقترب من وطنه ثارت الشكوك فى نفسه حتى كان يحس أنه صار غريبا عن قومه، وأنه لن يستطيع الحياة بين ظهرانيهم.

    عنترة يتخيل أنه أخطا بعودته إلى عبس:

    وكان يخيل إليه أنه قد أخطأ إذ أطاع وهمه (خياله، وظنه) الكاذب فعزم على العودة إلى عبس، وفارق أصحابه الذين كان يعيش بينهم سيدا، واعتاد أن يسمر في أنديتهم (يتحدث ليلا فى اجتماعاتهم) ويعاملهم ويخاطبهم ويحارب معهم وهو عنترة بطل العرب، فهؤلاء الذين عرفوه فى الحيرة والمدائن ولم يقولوا له يوما: يا بن زبيبة.
    ولم يعيروه (يشتموه، ويسبوه، المضاد يمدحوه) يوما بسواد لونه ولا بهجنة (اختلاط) نسبه بل كانوا يعدونه سيدا كريما؛ لأنه كان سيدا كريما. فقدموه وأعلوا (رفعوا) مكانه (منزلته)؛ لأنه كان جديرا بالتقديم والتمجيد، فما الذى حمله على أن يضيق بالمقام فيهم لكى يعود إلى هؤلاء الذين نشأ فيهم عبدا رقيقا، وقضى معهم الحياة فى نضال وكفاح حتى خرج عنهم يضرب فى الأرض يطلب مهر عبلة من عرين الأسد ؟ أليس هؤلاء هم الذين لم يرضوا به زوجا لعبلة؛ حتى يكلفوه بلوغ المحال (المستحيل، المضاد الممكن) ؟ حدثته نفسه مرارا أنه أخطأ، وأن الأولى (الأحق، والأجدر) به أن يعود أدراجه إلى الحيرة حيث يقيم عزيزا (قويا، المضاد ذليلا)، ويغالب (يقهر، ويقاوم) هذا القلب الذى طالما أذله وعذبه، ولكنه مع ذلك كله سار فى طريقه يدفعه دافع غامض كأن الأقدار هى التى كانت تسيره نحو غاية لا يدركها.

    عنترة يعرج على الوادى الرملى:

    ولما صار فى أرض الشربة بعد طول السير رأى أن يعرج إلى الوادى الرملى الذى طالما شهد ملاعب صباه ومراتع (مواضع ترعى فيها الماشية) فتوته (شبابه)، ذلك الوادى الذى رعى فيه إبل شداد، وصارع فيه رفاقه، وتعلم فيه الصيد والركوب، فإلى ذلك الوادى كان يفزع (يلجأ) كلما ضاق بعنف أبيه أو كبرياء عمه أو ظلم حاسديه.

    عنترة يذكر أخاه شيبوب:

    ولما بدت (ظهرت، المضاد خفيت) له ناصية الوادى خطر له ذكر أخيه شيبوب الذى أحبه وصاحبه، وكان فى كل مكان مثل ظله؛ كان تارة جاسوسه وتارة رسوله ، وكان حينا خادمه وحينا سميره، وكان أخر عهده به فى رحلته إلى العراق إذ بقى معه حتى استحر (اشتد) القتال بينه وبين جيش النعمان، ثم اختفى عنه إذ أحاط به الفرسان وجعلوا يطعنونه حتى صرعوه (طرحوه على الأرض) عن فرسه الأبجر، ولم يدر عنترة وهو يذكر أخاه شيبوب أكان لا يزال حيا يرعى إبل سادته أم قد مضى فى سبيله كما مضت عن الدنيا أجيال الناس من قبله، وكما تمضى من بعده ؟ وخفق قلبه عندما تذكر ذلك الأخ الوفي؛ فقد عاش ما عاش معه عبدا مرحا ينعم فى رقه، ولا يعبأ إلا بطعامه وشرابه وصيده، ولا يرى من الحياة إلا مهزلة لا تستحق شيئا سوى أن يسخر منها، ويلهو فيها ثم يمضى عنها مرحا إذا حان أجله.

    شيبوب لا يصدق رؤية عنترة حيا:

    ولما اقتربت القافلة من الوادى رأى عنترة على البعد شخصا على ربوة (مرتفع من الأرض). فعادت إليه صور الماضى كأنه لم يفارق تلك الأرض. إلا منذ ليلة، لقد كان كل شىء على عهده لم يتغير منه شىء؛ فالسماء لا تزال زرقاء صافية، والرمال لا تزال صفراء لامعة، وصعد بصره إلى الشخص الذى فوق الربوة وأحس قلبه يتحرك إليه، فقد كان فيه شيء يذكره بوقفة شيبوب، وهمز جواده مسرعا نحوه وكان الشخص لا يزال ينظر نحوه متكئا (مستندا) على رمحه، فلما صار من الربوة على مرمى قوسين تبين وجه أخيه شيبوب ينظر إليه، وإلى القافلة العظيمة التى أتت تنحدر إلى الوادى من ورائه، ولكن مظهره كان يدل على أنه كان متعبا لا يدرى من يكون صاحب هذا الموكب (جماعة من الناس يسيرون في زينة أواحتفال) العظيم، فلما صار عنترة على مسمع منه ناداه باسمه، فما كاد شيبوب يسمع صوته، حتى وثب (قفز) نازلا (هابطا، المضاد صاعدا) فى قفزات واسعة، وهو مشمر عن ساقيه الطويلتين، فاتحا فمه الواسع فى بسمة كشفت عن أسنانه النضيدة (المنسقة) البيضاء، وترجل (نزل عن دابته فمشى) عنترة فوجد نفسه بين ذراعى أخيه وهو يقبل وجهه وكتفيه ويتشممه باكيا يصيح : "عنترة، أخى عنترة ؟".
    فقال عنترة وهو يضمه فى حرارة (حرقة ، واشتياق): "أنت هذا يا شيبوب مرة أخرى، إنك لأول من أرى وإنك لأول من أحببت أن أرى". فقال شيبوب بصوت مختنق: "وأنت هذا، أنت هذا حي ألمسك بيدى وأضمك إلى صدرى، واحس دفء أعضائك...". ثم أرسله من ذراعيه ونظر إليه فى دهشة وقال: "إنى لا أكاد أصدق عينى "، وجعل يصعد فيه بصره ويصوبه(يرسل بصره إلى أعلاه تارة وإلى أسفله تارة أخرى). فقال عنترة وهو يأخذ بذراعه: "أترى فى ما تنكر يا شيبوب ؟ ألا تصدق أننى أخوك ؟".

    شيبوب يقص، على عنترة ما فعله بالحيرة:

    فقال شيبوب فى مرحه المعتاد: "كيف أكذب نفسي وأزعم أنك عنترة ؟ لقد رأيتك والفرسان يحيطون بك، فقلت "إنك هالك (ميت، المضاد ناج) لا محالة". فقال عنترة وهو يسير به بعيدا عن الطريق: "لقد افتقدتك يا شيبوب، واشتقت إلى حديثك، فمل بنا إلى هذه الربوة، فإن بى شوقا إلى الجلوس معك على ربوة مثلها". فقال شيبوب وهو ينظر نحو القافلة العظيمة التى كانت تقبل مبطئة: "أهذه القافلة لك؟". فأجاب عنترة: "أتعجبك يا شيبوب ؟ ومع ذلك فإن بى شوقا إلى أن أضطجع (أضع جنبى على الأرض، أو نحوها) على هذه الرمال وأستقبل الصبا (ريح لينة تهب من مشرق الشمس لا تحرك شجرا) فى الأصيل (الوقت حين تصفرالشمس لمغربها). وصعد فى الربوة فاستلقى على سنامها (أعلاها) ثم قال: "أكمل قصتك يا شيبوب، ماذا فعلت بعد أن رأيت الفرسان يحيطون بى ؟ لقد كنت أحسبك أنك ذهبت فى رماح القوم .
    فقال شيبوب وهو يمسح دمعة فى عينه: "رأيت الرماح تتهاوى إليك وأنت تسقط صريعا فتمزق قلبي. نعم تمزق قلبى؛ فقد علمت أننى سوف أقضى سائر الحياة وحيدا لا أجد عنترة إلى جانبى. فأطلقت ساقي للريح أطلب النجاة".

    عنترة يرى أن شيبوب أفضل منه فى علاقته بقومه:

    فضحك عنترة، وقال: "إنك لتحب الحياة يا شيبوب". فأجاب شيبوب باسما: "هى أحب إلى من طعنات الرماح يا عنترة، لقد كانت الأسنة (نصل الرماح) تلمع فى نور الشمس قاسية (شديدة) مخيفة، وماذا كنت أغنى عنك لو قتلت إلى جانبك ؟ أطلقت ساقي للريح وعدت إلى قومى". فأجاب عنترة: "أهم قومك يا شيبوب ؟ ". وسكت حينا وأخذ يعبث (يلعب، ويعمل ما لا فائدة فيه) بكفه فى الرمال الناعمة ثم استأنف (أكمل، المضاد توقف) فقال: "لقد كنت خيرا منى، إنك لم تحقد على عبس كما حقدت أنا عليهم، كنت تقول : إنك تكذب عليهم وتسخر منهم، ولكنك عدت إليهم لأنهم قومك".

    شيبوب ينعى عنترة إلى قومه:

    فقال شيبوب : "عدت إلى قومى؛ لأنعاك إليهم (أذيع إليهم خبر موتك). فما كل يوم يقتل منهم مثل عنتره". فقال عنترة : " ونعيتنى إليهم ؟ " فأجاب شيبوب: "قضينا شهرا نبكى، لكم بكت زبيبة ولا تزال تبكى ولا تصدق أبدا أنك هلكت. فهى إلى اليوم تزعم (تظن، وتعتقد، المضاد تتيقن) أنك عائد إليها".
    فقال عنترة فى رقه : "مسكينة زبيبة، ما أحب إلى أن ألقاها". وأمسك لحظة وهو مطرق ثم قال كأنه يحدث نفسه : "لم يبكنى فى عبس إلا زييبة ؟ ". فقال شيبوب باسما: "لقد بكوك جميعا. أعرف أنك تقصد عبلة يا عنترة لقد بكتك كما بكيناك، بل لقد كانت زبيبة تذهب إليها لتسكن روعها (فزعها) زاعمة لها أنك عائد إليها".
    فأسفر (أشرق، وأضاء) وجه عنترة وقال: "أحقا ما تقول يا شيبوب ؟ وكيف هى اليوم ؟ حدثنى يا شيبوب عنها". فقال شيبوب فى خبث: "وماذا أحدثك عنها ؟ إننى لا أكاد أراها. لقد عادت مع أبيها إلى أرض الشربة بعد خروجك إلى العراق ولكنى كنت لا أراها. وماذا يعنينى منها إلا أنك كنت تتعلق بها وأنت حي ؟". فقال عنترة ضاحكا: "أراك لم تصدق بعد أننى لا أزال حيا". فقال شيبوب : "ما كنت أحسب أن أراك أبدا، فكنت إذا مررت على منازل مالك أحسست دافعا يبعدنى عنها، فأسرع كأننى أهرب من رؤيتها".
    فقال عنترة: "وهى ؟ حدثنى عنها هى، ألم تسمع زبيبة تتحدث عنها ؟ ". فأجاب شيبوب: "هى امرأة. ليست عبلة سوى امرأة، لقد بكت، ثم جففت دمعها، ثم نسيت . فتحرك عنترة فى قلق وقال : "امض فى قولك وحدثنى عنها، أما سمعت صوتها؟ أما رأيتها يوما؟ انقل إلى أحاديث زييبة عنها". فأجاب شيبوب : "إنك لا تزال تتعلق بها، لقد حسبت أن هذه السنين قد أنستك ذكرها. فما هى إلا امراة من النساء. كنت بالأمس أمر على خبائها (خيمتها) فسمعت غناء صاحباتها". فقال عنترة فى لهفة : "أكانت تغنى ؟ أهو شىء جديد ؟".

    عمارة يجدد طلب الزواج من عبلة:

    فأجاب شيبوب: "نعم هو عمارة بن زياد، فما كاد يسمع نبأ (خبر) مؤتك حتى ذهب إلى أبيها وساق (بعث، وأرسل) إليه المهر ثانيا. وهل كان مالك ليأبى (يرفض، المضاد يقبل، ويوافق) عمارة وهو يسوق إليه ألف ناقة مرة أخرى. إنه لم يسأل هذه المرة إذا كانت النوق من العصافير أم هى من النسور". فسكت عنترة حينا ثم قال فى فتور (سكون، وضعف): "وهى ؟ أتقول : إنها تغنى ؟". فقال شيبوب : "لم أقل إنها تغنى. إننى سمعت الغناء من خبائها". ثم نظرإلى القافلة العظيمة وقال : "ولكن خبرنى كيف بلغت هذا؟".

    عنترة يشكو تقلبات الدهر عليه:

    فقال عنترة فى حزن : "اسأل الأيام كيف تعبث بنا ؟ إنها تعبس أحيانا وتدبر وتضن (تبخل، المضاد تسخو، وتجود) فلا تكاد تدع (تترك) للمرء أملا، ثم تضحك أحيانا وتسخو وتقبل فلا تدرى أكانت جادة فى إقبالها أم فى إدبارها لقد رأيتنى والفرسان يطعنوننى، وقد سقطت (وقعت) بينهم صريعا ، وهأنت هذا ترانى أعود إليك وهذه القافلة (الرفقة الكثيرة المسافرة أو الراجعة من السفر) العظيمة تسير ورائى". وأطرق حينا، ثم قال كأنه يحدث نفسه : "باطل وغرور وسخرية من الحمقى". فقال شيبوب متعجبا: " لشد ما تغيرت يا أخى! ".
    فأجاب عنترة: "لقد تقلب بى الدهر وهزنى؛ كم حروب شهدتها وكم بلاد رأيتها، قضيت هذه السنين لاهيا عن نفسى لا أكاد أحيا لها، وذقت ما ذقت من نعيم ولهو، ولكنى لم أحس يوما أننى سعيد. قل لى يا شيبوب: "كم غزوتم وكم غزيتم ؟ وماذا غنمتم وماذا غنم الأعداء منكم ؟ وحدثنى أما ذكرتم يوما عنترة ؟". فقال شيبوب فى حرارة : "ما زلت أذكرك فى صباحى ومسائى، وكم ندمت على أننى لم أبق معك حتى نقتل جميعا، كانت الحياة عندى كئيبة موحشة يا عنترة، ولكنك هكذا تعود مرة أخرى، أأنت عنترة حقا ؟ وحق مناة لست عنترة الذى عرفت". فأطرق عنترة غائبا فى فكره واستمر شيبوب: "لشد ما تغيرت حتى كأنك لست أخى، فلم يملك عنترة أن ضحك وقال: "كفى حديثا عنك وعنى. لقد سألتك أن تحدثنى عن عبلة".

    شيبوب يقترح على عنترة الزواج من هند بنت زهير:

    فقال شيبوب: "وماذا أقول لك عنها ؟ سوف يكون زفافها بعد ثلاث، سيكون زفافها يوم عروبة (يوم الجمعة فى الجاهلية)". فصاح عنترة : "أتقول إنها رضيت ؟". فقال شيبوب : "لم أقل رضيت، وماذا يعنينى إذا كانت رضيت أو أبت ؟ لقد رضى أبوها ولسوف أحرق قلبها وقلب مالك بن قراد وعمرو بن مالك، بل سوف أحرق قلب عمارة بن زياد عندما أزوجك من هند بنت زهير. أما قلت لك إن أباها زهيرا قد قُتل؟ لقد صار ابنه قيس سيد عبس". فقال عنترة : "أقتل زهير؟ أما إنه قد كان سيدا كريما"، وسكت لحظة ثم قال فى هدوء : "هند، قيس، زهير، هذه كلها أسماء أسمع لفظها، ولكن عبلة قد تزوجت، أما تقول إن زفافها يوم عروبة ؟". فقال شيبوب: "نعم، يوم عروبة ". وجعل يعد الأيام على أصابعه وقال : "بعد ثلاثة أيام !".

    جرح عنترة لا يزال داميا:

    فأطرق عنترة ومضى شيبوب فى حديثه يذكر حوادث تلك السنين فى سياق مضطرب (مختل، المضاد متزن) متدفق، وكان عنترة يغمغم فى إطراقه بنغم حزين ثم رفع رأسه بعد حين وقال : "إذا سوف أعود إلى عبس فأمر بعرسها آخر الأمر، كأننى مكدود (مرهق، ومتعب) سار يطلب الحج إلى الكعبة فمر فى طريقه بقصر بخيل يحيى وليمة، فجعل ينظر إلى الأضواء المنبعثة من القصر، ويسمع أصوات الغناء والمرح والقصف، وهو يسير ضعيفا محروما خافت الأنفاس. إنك قد ملأت قلبى حزنا يا شيبوب، وأحس كأن هذا الفضاء يضيق بى، أقلت آنفا (سابقا، المضاد لاحقا): "إن عبلة كانت تغنى؟". فقال شيبوب فى رفق: "لم أقل إنها كانت تغنى، لقد سمعت الغناء من خبائها. ولكنها امرأة وأحب أن أراها تأكل قلبها غيظا من الحزن، إذا رأتك وأنت تعود إلى عبس بهذه القافلة كلها".
    فقال عنترة: "أمسك، ويلك يا شيبوب، فإن الجرح لا يزال داميا (خارجا منه الدم)، كنت حسبت أنه قد اندمل (برئ، والتأم، المضاد نزف)، وكنت أسأل نفسى: كيف أكون إذا عدت إلى أرضى ورأيتها ؟ وهأنت هذا تعيدنى إلى نفسى القديمة فجأة، كأن تلك السنوات قد طويت (ضم بعضها على بعض) كلها فى يوم، فأنا اليوم كما كنت من سنين لم يتغير فى قلبى شيء". فقال شيبوب : "وأما أنا فإن قلبى ممتلئ حقدا كما كان ممتلئا حقدا. فهل تريد أن تعود إلى هؤلاء، تتذلل لهم وتطلب منهم بناتهم فيقولون لك : "إنك ابن زبيبة ؟".
    فقال عنترة: "لست أدرى كيف ألقاهم وكيف يلقوننى إننى نسيتهم حينا، وخيل إلى أننى لن أحس لهم خلجة فى طيات (أعماق) نفسى. ولكنى لست أدرى!" وأمسك عن الكلام حينا وتبللت عيناه بالدمع ثم قال : "لن أرضى أن تكون عبلة امرأتى إذا هى رضيت بغيرى" . فصاح شيبوب : "أوترضى بها أنت إن رضيت بك ؟". فقال عنترة فى رقة : "أتقول إنك لم ترها ؟ ألم تقع عينك عليها يوما تطلع كالشمس، وتزهر كالقمر، ويفوح نسيمها كالزهر؟ أما سمعتها تتحدث ؟ أما سمعت زبيبة تتحدث عنها؟ ولكننى لن أرضى بها إلا إذا كانت هى ترضى بى".
    فضحك شيبوب قائلا: "هذا خطب (حال، وشأن) يسير (سهل، المضاد صعب) يا عنترة . اطلع عليها بهذه الإبل ولسوف تفوز برضاها". فأمسك عنترة بذراع أخيه وقال له جادا: "قلت لك إنك تثير (تهيج، وتغضب، المضاد تهدئ) نفسى، وتملأ صدرى غضبا. اسمع أيها.. اسمع يا شيبوب ولا تتردد فى حرف مما أقول، اسمع وأطعنى فيما أقول حرفا حرفا".فنظرإليه شيبوب خاضعا وقال : "ستجدنى مطيعا".
    فقال عنترة: "لست أحب أن أعود إلى عبس إلا كما خرجت منها، لسوف أعود إليها ألتمس قوتى (طعامى) بقوسى وسهمى وسيفى، لن أحرص على جاه (منزلة ، وقدر) ولا على نسب فإنى رأيت من الحياة ما زهدنى فى كل جاه ونسب، لقد كنت أغضب لأشياء أراها اليوم لا تغضينى، كنت أغضب إذا لم أجد لى بين الناس مكانا، ولكنى اليوم لا أبالى (أهتم والمضاد أهمل) أين أكون بين الناس، لا ابالى بشىء من كل ذلك يا شيبوب، فاسمع وأطع كما قلت لك".

    شيبوب يوزع القافلة:

    ثم التفت إلى القافلة العظيمة. وكانت تسير فى طريقها نحو أرض الشرية، وقال : "أترى هذه القافلة التى تملأ البطاح (الأماكن الواسعة)؟ اذهب وراءها إلى منازل عبس حتى إذا ما جئتها فناد المساكين الذين كانوا يسيرون ورائى ويحاربون معى، وادع الصعاليك الذين كانوا يلوذون (يلجأون، ويتحصنون، ويحتمون) بى، ففرق هذه الأحمال (الأثقال) فيهم حتى لا تبقى منها شيئا، كل عبيدى هؤلاء أحرار، ولهم من القافلة ما شاءوا، ثم امض بهذه الإبل التى تراها بين سوداء وبيضاء ففرقها بين الضعفاء حتى لا تبقي منهم واحدا فقيرا، فإذا بقيت منها بعد ذلك بقية فانحرها وألق بها فى القفر (الخلاء من الأرض لا ماء فيه ولا ناس)؛ لتكون وليمة لوحش السباع".

    عنترة يرسل هداياه لعبلة:

    "وهذه النوق العصافير التى أتيت بها لتكون مهر عبلة، اذهب بها إلى مالك بن قراد، وقل له: هى هدية لعبلة لينحرها (يذبحها) يوم زفافها، ويطعم منها قوم عمارة بن زياد ومن يجىء من أحياء العرب ليشهدوا عرسه، ثم احمل هذه الأحمال التى تراها فى آخر القافلة على الإبل السوداء، فقد أودعت فيها تحفا من طرائف العراق وفارس وأذربيجان؛ لتكون هدية لعبلة يوم جلوتها(عرسها، وزفافها)، فخذ هذه واذهب بها إليها هى وأبلغها أننى كنت وعدتها يوما فى غضبى أن أهدى إليها هدية يوم زفافها. قل لها: هذه هديتى بدل تلك التى وعدتها. قم منذ الساعة ولا تنطق بحرف، وسأنتظر هنا حتى تنفذ أمرى وتعود إلى بعد ثلاث".
    وأراد شيبوب أن يتكلم فأشار إليه عنترة يأمره بالسكوت قائلا : "أما وعدت أنك تطيعنى. اذهب وافعل ما أمرتك ولا تنطق بحرف يا شيبوب". ثم وثب على فرسه، وأغمد (أدخل) فى جنبه الركاب فانطلق به فى الوادى، ووقف شيبوب حينا ينظر إليه، ثم هز رأسه وسار يقود القافلة نحو ديار عبس.

    مناقشة الفصل الخامس عشر من قصة عنترة بن شداد

    صف شعور عنترة وهو في طريق عودته إلى أرض الشربة والعلم السعدي .
    كان كلما اقترب من وطنه جالت بخاطره الشكوك والأوهام حيث كان يسأل نفسه بين حين وآخر هل سيجد عبلة على عهدها ؟ وهل يستطيع الحياة في قومه بعد هذه الغربة الطويلة؟
    دار بخاطر عنترة أن يعود إلى الحيرة التي شعر فيها بالسيادة ولكنه استمر في العودة لعبس فلماذا ؟
    لقد دار بخاطره فعلا العودة للحيرة حيث التقدير والتكريم ولكنه رفض الاستجابة لهذا الخاطر وأحس أن الأقدار تسوقه لوطنه وليكن ما أراد الله أن يكون إذ لا قيمة للتردد الذي لا يفيد .
    لماذا فضل عنترة أن يمر على الوادي الرملي في أرض الشربة ؟
    لأنه المكان الذي شهد ملاعب صباه ومراتع فتوته وتعلم فيه الصيد والركوب وأيضاً كان يتجه إليه كلما ضاق بعنف أبيه أو كبرياء عمه أو ظلم حاسديه .
    كان شيبوب ظلاً لعنترة في كل مكان يحل فيه . وضح ذلك .
    كان تارة جاسوسه وتارة رسوله وكان حيناً خادمه وحيناً سميره كما كان آخر عهده به في رحلته إلى العراق إذ بقي معه حتى اشتد القتال بينه وبين جيش النعمان ثم اختفى عنه .
    صف شعور شيبوب عندما رأى عنترة وهو يقود القافلة .
    وثب إليه مسرعاً يقبل وجهه وكتفيه باكياً لم يصدق أنه ما زال حياً .
    ما مظاهر حزن حلة عبس عندما أخبرهم شيبوب بموت عنترة ؟
    ظلت الحلة تبكي شهراً على عنترة إلا أن زبيبة كانت تبكي ولكنها كانت تزعم أنه عائد إليها وكذلك عبلة فاضت عيناها من الحزن على عنتـرة .
    ماذا طلب عنترة من شيبوب ؟ وبم رد عليه شيبوب ؟
    طلب عنترة منه أن يحدثه عن عبلة وكان رد شيبوب عليه أن عبلة ما هي إلا امرأة من النساء لقد بكت ثم جففت دمعها ثم نسيت .
    ما الذي فعله عمارة بن زياد عندما علم بوفاة عنترة ؟
    تقدم لخطبة عبلة وساق إليها المهر الذي طُلِب منه .
    متى يكون زفاف عبلة على عمارة بن زياد ؟
    سوف يكون بعد ثلاث ليالٍ يوم عروبة (الجمعة) .
    ما الذي عرضه شيبوب على عنترة ؟
    أن يزوجه هند بنت زهير سيد قبيلة عبس .
    ما الذي قرره عنترة عندما علم بأن عبلة سوف تزف إلى عمارة ؟
    قرر ألا تكون عبلة امرأته إذا رضيت بغيره .
    ماذا طلب عنترة من شيبوب بعدما علم بأن سوف تزف عبلة لعمارة؟
    أن يأخذ شيبوب القافلة التي أتى بها من عند النعمان ويوزعها على المساكين والصعاليك والضعفاء , أما النوق العصافير فيذهب بها إلى مالك بن قراد لتكون هدية عبلة وينحرها يوم زفافها ويطعم منها قوم عمارة بن زياد .

    ****

    والآن, ألا تحب عزيزي القارئ أن تنال ثواب نشر هذه الصفحات بين أصدقائك؟! إذا أعجبكم المحتوى فلا تبخل علينا وعلى نفسك وعلى أصدقائك. خالص دعواتي باللتوفيق قبل التفوق.

    أحدث أقدم