سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبابي أبنائي طلاب وطالبات الصف الثاني الثانوي. يسعدني في هذه الصفحة من صفحات موقعنا الماس لتطوير الذات والتعلم الذاتي mr-mas.com أن أقدم لكم قصة وا إسلاماه - الفصل السابع . ضمن منهج اللغة العربية. ترم اول.
والجميل والجديد في هذا الموضوع بفضل الله هو عرض نص الفصل السابع من قصه وا اسلاماه مكتوبا مع معاني الكلمات الصعبة بشكل شيق وجذاب. بحيث يتم الضغط على الكلمة للتوصل للمعنى أو المضاد أو المفرد أو الجمع وذلك للكلمة الملونة باللون الأحمر . وكذلك تحويل الفصل إلى سؤال وإجابة للتمكن من تحليل كل النقاط المهمة في الفصل السابع من قصه وا إسلاماه .
نبدأ أولا بفيديو لملخص الفصل السابع بالرسوم المتحركة (الكارتون cartoon) . اضغط هنا على هذا الرابط لبدء تشغيل فيديو الفصل السابع من قصة وا اسلاماه. ضمن منهج تانيه ثانوي ترم اول.
****
سبب شراء الشيخ غانم المقدسى لقطز وجلنار:
اطمأن بالصبيين المقام بدمشق عند سيدهما الجديد الشيخ غانم المقدسي، ونزلا فى قصره الكبير بدرب القصاعين، تحيط به حديقة غناء (كثيرة الأشجار) حافلة (مملوءة، المضاد خالية) بالكروم (العنب) وأشجار التين والتفاح والزيتون. وكان الشيخ غانم المقدسي من أعيان دمشق ووجهائها المعدودين له أملاك كبيرة، وضياع (الأراضى المثمرة) واسعة ورثها عن أبائه، وكان رجلا طيبا يحب الصدقة ويحضر مجالس العلم، وقد كبر فى السن ولم يسلم له من الولد إلا ابن يدعى موسى كان قد أنفق فى تربييه وتهذيبه كثيرا من المال؛ ليجعل منه رجلا صالحا، يخلد ذكره ويخلفه في بيته المجيد.
ولكن موسى أخلف ظن أبيه فيه، فنشأ فاسد الخلق ميالا إلى اللهو ومخالطة عشراء السوء من الفتيان الخلعان (من تركوا الحياء) الماجنين (الخلعاء)، وقد حاول أبوه بكل وسيلة أن يصرفه عن ذلك فلم يفلح، وما زاد موسى إلا عتوا (استكبارا، المضاد تواضعا) ونفورا، حتى يئس من إصلاحه، فترك حبله على غاربه (الغارب هوالكاهل، المراد جعله يذهب حيث شاء) واعتبره كأن لم يكن. ولولا مكان والدته وشفاعتها فيه لطرده من بيته وتخلص من معرته (أذاه، وإساءته).
وقد دفعه يأسه من ولده إلى التفكير فى أن يبتاع (يشتري، المضاد يبيع) غلاما وسيما حسن الطلعة عسى أن يتخذه ولدا يأنس به، ويطمئن إليه، ويجد عنده من البر والاستقامة ما فقده فى ولده. فجهد (جد، وتعب، المضاد استراح) زمنا يتتبع أسواق الرقيق ليجد الغلام الذى يطمح (يتطلع) إليه حتى وجد ضالته (ما يبحث عنه، المراد غايته) فى قطز فاشتراه ولم يتردد، لما توسم فيه من الخير والنبل، وعن (ظهر، وعرض) له لما رأى جلنار أن يشتريها أيضا؛ ليتخذها ابنة تؤنسه وتؤنس زوجته العجوز.
علاقة طيبة بين الشيخ غانم والطفلين :
وشاء الله ألا تخطئ فراسة (الظن الصائب، أو مهارة التعرف على بواطن الأمور) الشيخ في الصبيين فلم تمض عليهما في حوزته إلا أيام قلائل حتى تبين إخلاصهما في حبه وتعلقهما الشديد به.
فأحبهما وأنزلهما من نفسه منزلا كريما، وبالغ فى رعايتهما والحدب (العطف، المضاد القسوة) عليهما، ووكل بهما من ساعدهما على تعلم اللسان العربي، فكان لهما من ذكائهما ما أسرع بهما إلى معرفته وإتقانه فى زمن قصير.
أثر موت جنكيز خان وجلال الدين:
ووردت الأنباء إذ ذاك بموت الظاغية جنكيزخان في مسقط رأسه، وأن قومه التتار الذين كانوا يقاتلون السلطان جلال الدين قد انحسروا (انكشفوا، المراد رجعوا، وعادوا) إلى بلادهم، ورجعوا عن غزو بلاد الإسلام لما بلغهم خبر هلاكه، ففرح الناس بذلك فرحا عظيما، وذهب عنهم ما كان يساورهم (يصارع، ويخالط) من الخوف والهلع (الجزع) وحمدوا الله على أن كفاهم شر أولئك الغزاة المتوحشين الذين ينزلون الهلاك والدمار والنقمة (العقاب) والعذاب بكل بلد ينزلونه، وبلغهم كذلك موت السلطان جلال الدين قتيلا في جبل الأكراد حين لجأ إليه بعدما انهزم من عدوه، فمنهم من شمت (فرح، المضاد واسى) بموته ومنهم من حزن عليه لما قام به وقام أبوه من قبله من جهاد التتار وصد (منع) جموعهم عن بلاد الإسلام.
استفاضت (انتشرت، المضاد انحسرت) هذه الأخبار في دمشق حتى صارت حديث الناس فى مجالسهم وأسمارهم (أحاديثهم ليلا) وتذكروا وقائع جلال الدين وخوارزم شاه مع التتار، وما حل بهما وببيتهما من النكبات العظام، حتى انطوى ملكهما، وانقطع دابرهما (قضى على أصلهما) ولم يبق من أهلهما من أحد. ولكن أحدا منهم لم يعلم أن ابنة جلال الدين وابن أخته يعيشان بين ظهرانيهم (بينهم) فى قصر من قصور مدينتهم العظيمة وعند رجل من كبار أعيانها. وقد حزن قطز وجلنار لما بلغهما موت جلال الدين، وقد كانا يمنيان أنفسهما بالرجوع إليه، فانقظع أملهما فى ذلك، وأيقنا أنهما سيبقيان فى رقهما إلى الأبد، وإنما عزاهما (صبرهما، وخفف مصيبتهما) فى ذلك، وخفف من حزنهما ما كانا يجدان من بر مولاهما وحسن رعايته وإحسانه، فجعلهما يسلوان مصابهما وشيكا (سريعا، المضاد بطيئا)، ومرت السنون سراعا، وتوالت (تتابعت، المضاد انقطعت) الأحداث تترى (متتابعة، المضاد متقطعة) وانقضت لهما فى بيت الشيخ غانم المقدسي عشرة أعوام أو تزيد نميا فيها وترعرعا حتى بلغ قطز مبلغ الرجال، وبلغت جلنار مبلغ النساء، وكانت الألفة التى بينهما تنمو معهما، وتترعرع فشعرا بفيوض (كثير) من السعادة لم يشعرا بمثلها قط تغمرهما، فتنسيهما كل ما مر بهما من نعيم الملك وما اختلف عليهما بعد ذلك من صروف (نوائب، وأحداث) الأيام ونكباتها، وحليت الدنيا فى عينيهما فصارت رياضا، وأنهارا، وورودا وأزهارا، وطيوفا (ألوانا متناسقة) من ضياء الشفق (حمرة تظهر فى الأفق حيث تغرب الشمس) البهيج، وروحات من نسيم الفجر العليل (الرقيق) يتقلبان منها فى أيام كلها أصيل (الوقت ما بين العصر والمغرب)، وليال كلها سحر (آخر الليل قبيل الفجر).
وعد الشيخ وزوجته لقطز وجلنار بالزواج والعتق:
وكان مولاهما الشيخ وزوجته يعلمان بهذه الصلة البريئة الطاهرة بينهما فشملاهما بالعطف والرضا، وتعهداهما بالتنمية، ووعداهما بتزويج أحدهما من الأخر حينما تتهيأ الفرصة ويخف الشيخ من مرض الشلل الذى ألم به؛ لكي يحتفل بعرسهما. ولما تطاول به المرض أراد أن يحتاط لمستقبلهما فأوصى لهما بجزء من أملاكه، وبأن يعتقا (يحررا) إذا ما دهمه (فاجأه) الموت قبل أن يهيئ لهما أمرهما.
غيرة موسى من قطز:
على أن الجنة التى يعيش فيها هذان الحبيبان لم تخل من شيطان يكدر (يعكر) صفوها عليهما، وينفث (ينفخ) فيها سمومه نكاية (إساءة) بهما وسعيا فى إخراجهما منها، فهذا موسى الخليع الفاسد قد زادت غيرته من قطز لما انفرد به دونه من ثقة أبيه حتى سلمه مقاليد (مفاتيح) خزائنه، وأسند (أوكل) إليه إدارة أمواله وأملاكه. فكان قطز يوزع صدقاته ونفقاته على أقاربه وذويه، وينفق على حاجات القصر ومن فيه من الخدم والعبيد، ولا يخرج دينار ولا درهم إلا من يده، فشق ذلك على موسى، وغاظه أن يتسلم راتبه اليومي من يد مملوك أبيه. ومما زاده حقدا عليه أنه كثيرا ما يحتاج إلى المال لينفقه فى سبيل غيه (ضلاله، المضاد رشاده) وفساده، فيتوسل إلى قطز ليعطيه زيادة على راتبه من غير علم أبيه، فيأبى (يرفض، المضاد يوافق، ويقبل) قطز ويقول له: "هذا مال سيدى، وإنما أنا أمين عليه فلا أفرط فيه، ولكن استأذن أباك فإن أذن لك أعطيتك منه ما تحب..." فيتوعد قطز ويتهدده، وقطز لا يأبه له (لا يهتم به).
ولم تسلم جلنار من إيذائه ومضايقاته؛ إذ كان يغازلها ويتعرض لها بكل سبيل ويسمعها كلمات يندى لها جبينها (يبتل خجلا) ويمجها (يكرهها، وينفر منها) سمعها، فلما كثر ذلك عليها شكته إلى مولاتها، فعنفته (لامته، المراد وبخته) أمه على فعله، قائلة له : "إنها زوجة قطز ولا سبيل له عليها"، وهددته بقطع نفقته وطرده من المنزل إذا عاد إلى مضايقيها، وزاده هذا كراهية لقطز وغيرة منه. وكان قطز يعطف على هذا الشاب الفاسد ويرق لحاله، ويتحمل كثيرا من أذاه، ولا يشكوه إلى أبيه لئلا يؤذيه ويزيد من مرضه، وكان كثيرا ما ينصحه بالإقلاع (الترك، والامتناع) عما هو فيه من الشراب والفساد أو الإقلال منهما، ويعده بالسعى عند والده ليرضى عنه ويزيد فى راتبه، فما يزيده هذا إلا بغضا (كرها) لقطز، وتعاليا (تكبرا، وتجبرا، المضاد تواضعا) عليه وتماديا (استمرارا) فى غيه.
توعد موسى للصبيين بالانتقام:
واشتدت العلة (المرض، المضاد الصحة) بالشيخ غانم، فقلق عليه جميع من فى القصر، إلا ابنه موسى؛ فقد فرح بذلك وجهر بأن سيخلو الجو له بموت أبيه، فيتصرف فى أمواله وأملاكه كما يشاء، وينتقم من قطز، فيهينه ويضطهده وينتزع جلنار منه، ويكرهها على الخضوع لما يريد، وتمادى فى الغى حين أيقن بقرب وفاة أبيه.
موت الشيخ غانم:
ومات الشيخ غانم المقدسي بعد حياة مديدة (طويلة، المضاد قصيرة) قضاها فى البر والتقوى والإحسان إلى الفقراء والمساكين، والإنفاق على اليتامى والأرامل. فبكاه الناس وأسفوا لفقده وترحموا عليه، وإذا ذكروا ابنه موسى عز (صعب، المضاد سهل، وهان) عليهم ألا يخلف هذا الرجل الصالح إلا ذلك الولد الطالح (الفاسد، المضاد الصالح).
وأما قطز و جلنار فقد رحل عنهما منه والد كريم، رءوف بهما رحيم، فبكياه أحر البكاء، وواسيا زوجته العجوز بكل ما فى وسعهما (طاقتهما، وقوتهما)، وقاما على خدمتها، وصبرا فى سبيلها على ما يصيبهما من لسان موسى ويده؛ إذ تنمر لهما (انقلب ضدهما، واشتد عليهما) بعد وفاة أبيه، وجعل يضطهدهما ويعتدى على قطز بالسب والضرب، فما يجيبانه بغير الصبر والسكوت؛ إكراما لمولاهما ورعاية لمولاتهما الحزنى، ريثما تنتهى أيام العزاء فيبرحان (يغادران، ويتركان، المضاد يبقيان) القصر إلى حيث يتزوجان ويعيشان آمنين هانئين كما دبر لهما ذلك مولاهما الفقيد.
إبطال موسى وصية أبيه:
وما علما أن موسى قد جد فى الكيد (المكر، والخداع) لهما، واتصل بجماعة من فقهاء السوء، فأبطلوا له وصية أبيه بصدد عتقهما والأملاك التى أوصى بها لهما، فما راعهما (أفزعهما، المضاد طمأنهما) إلا موسى قد جاء يخبرهما بيطلان الوصية، وبقائهما على رقهما، فعز عليهما أن ينهار بين غمضة عين وانتباهتها ما بنياه من الآمال، وأن يعودا لا إلى كنف مولاهما الشيخ الصالح - إذن لهان (سهل، المضاد صعب، واشتد) عليهما الأمر- ولكن إلى رق ابنه الفاسق الظالم، ليعذبهما ويهينهما ما شاء له حقده وانتقامه، ولما علمت مولاتهما العجوز بما فعل ابنها غضبت من عمله، وصبت لعناتها على رأسه، وطفقت تواسيهما وتقول لهما: "إنهما سيكونان تحت رعايتها وحمايتها، ولن يمسهما موسى بسوء"، ووعدتهما أنها ستجتهد حين تقسم التركة أن تجعلهما من نصيبها فتعتقهما وتزوجهما، وتجعل لهما رزقا يعيشان منه.
وعلم موسى بما عزمت عليه أمه، فأجل قسمة الميراث طمعا فى أن يحول دون ما تريد.
وفى خلال ذلك أخذ يتقرب إلى جلنار ويقول لها: "أصبحت اليوم ملك يمينى". فتهرب من وجهه وتلوذ (تحتمى، وتلجأ) بسيدتها فتحميها منه ... وأحيانا يأتيها ويقول لها متلطفا : "سأتخذك زوجة لى وستكونين سيدة هذا القصر، لك فيه الأمر والنهى، ويكون قطز عبدا لك". فما تجيبه إلا بالسكوت والإعراض.
موسى يبيع جلنار:
ولما طال ذلك عليه ويئس من رضاها، ثار به الغضب، وأقسم ليفرقن بينها وبين قطز لينتقم منها ومنه، فذهب إلى وصي أبيه وادعى أن جلنار كانت سبب الفرقة والخصام بينه وبين والدته، وأنه سيعود إلى بر والدته وطاعتها إذا بيعت هذه الجارية النمامة (التى تسعى بالعداوة والفتنة بين الناس)، وجعل يلح عليه في بيعها، وكان قد أحضر سمسارا معه؛ ليجىء بمبتاع للجارية، وجعل له على ذلك أجرا، فما كان من الوصي إلا أن باع الجارية للسمسار، وباعها السمسار لرجل من مصر.
فوجئت أم موسى بما كان من بيع جلنار على غير علمها، فبعثت إلى الوصي تعاتبه على ما صنع، وتلح عليه أن يستقيل البيعة ويستعيدها منه، ولكن موسى قد أوعز للرجل المصرى فأبى البيعة، ولكنه اعتذر إليها بأن ذلك لم يبق فى إمكانه إلا أن يقبل الصفقة، وأصر على طلب الجارية، فما وسع الوصي إلا تسليمها إليه. ولما علمت جلنار بأنها ستحمل وشيكا إلى مولاها الجديد، بكت بكاء شديدا وتشبثت (تعلقت، وتمسكت بقوة، المضاد فرطت) بثياب مولاتها مستغيثة بها ألا ترضى بتسليمها، قائلة: "اقتلينى يا سيدتى ولا تسلمينى إلى هؤلاء !"
فضمتها العجوز إليها وأجابتها والدموع تنهمر من عينيها : "تعلمين يا جلنار أن ليس لى من الأمر شىء، وإنك لأعز على من ابنتى، وقد اجتهدت أن أحتفظ بك، ولكن ماذا أصنع وقد باعوك بغير علمى ؟ لعن الله ابنى فشد ما عذبنى وآذانى !! يا ليتنى عقرت (لم ألد) فلم أحمل به، أوليتنى إذ حملت به أسقطته! لن يكف عنى هذا الولد العاق (العاصى والديه، المضاد المطيع) حتى يلحقنى بأبيه، حسبى الله منك يا موسى، حسبى الله منك ".
قطز يودع جلنار:
وكان قطز واقفا ينظر إليهما، ويبكى، حتى رأى موسى قد أقبل ومعه السمسار وجماعته، فكفكف (مسح، ومنع) دمعه وكتم جزعه (تألمه، وحزنه)، وأظهر التجلد (الصبر، المضاد الجزع) مكانه، ووقف كأنه تمثال من الصخر الأصم، ولما رأتهم جلنار وعلمت أن لا مناص (لا مفر) لها من المسير معهم، أرسلت ثياب مولاتها الوالهة (المتحيرة، شديدة الحزن) الحسرى، واندفعت إلى حبيبها قطز تودعه وداعا حارا مفعما (مملوءا) بالحسرة والألم. وهو يقول لها: "أستودعك الله يا حبيبتى أستودعك الله يا جلنار، سيجمع الله شملنا بحوله وقويه". فاستأخرت عنه جلنار وهى تقول: "أستودعك الله يا محمود، أستودعك الله يا حبيبى".
ومالت إلى مولاتها فأهوت (مالت) على رأسها تقبله حتى بللته بدموعها، والعجوز تلثم (تقبل) أطرافها وتبكى، إلى أن تقدم قطز فجذبها وهو يقول: "حسبك يا جلنار، توكلى على الله ولا تحبسى أصحابك، وثقى بأن الله موجود، وهو على جمعنا إذا يشاء قدير".
فأشار موسى للسمسار قائلا: "امض بها يا هذا ولا تدع وقتنا يمضى فى هذا العبث". فأخذ السمسار بيدها، فمضت معه، وعينها تتلفت مرة إلى سيدتها ومرة إلى حبيبها حتى توارت (اختفت، واستترت، المصاد ظهرت) وبقى قطز واقفا مكانه كأنه جماد ينظر إلى سيدته الباكية الحزينة وتنظرإليه حتى إذا ما اختفى موسى في أثر السمسار وجماعته، غلبت الرقة قطز، فدنا منها باكيا، وجعل يقبل رأسها ويديها قائلا : "أشكرك يا سيدتى الكريمة، لقد بذلت كل جهدك ولا لوم عليك فيما حدت".
فقالت له : "أحسن الله إليك يا بنى، ستكون عندى بمثابه (بمكانة، وبمنزلة) ابنى، وإن شئت أعتقتك فمضيت حرا إلى حيث تريد".
قال لها : "يا مولاتى لا أريد بخدمتك بدلا، بيد (غير) أنى أخاف أن يتحرش بى موسى - وقد نفد صبرى - فأسىء إليه فيغضبك ذلك منى".
فقالت : "معاذ الله أن أغضب لموسى منك، لو قتلته لأرحتنى منه".
فأجابها: "ما يكون لى أن أعتدى على ابن مولاى الذى أكرم مثواى (مكانى) وأحسن إلى".
قطز يشكو همومه لصديقه:
واستأذن قطز مولاته، فمضى (ذهب) إلى صديقه الحميم الحاج على الفراش، وكان شيخا صالحا يخدم سريا آخر من سراة دمشق وأعيانها يقال له ابن الزعيم، كان يسكن فى قصر قريب من قصر الشيخ غانم المقدسي، لا يقل عنه سعة وفخامة ، وكان قطز كثير الاختلاف إليه (التردد عليه)، يجلس معه على مصطبة كبيرة مظللة بفروع الشجر تقع عند مدخل بستان ابن الزعيم، فيشكو قطز همومه إليه ويبثه (يشكو له) آلامه ويستشيره فى شئونه، ويتجاذبان أطراف الحديث فى شئون مختلفة، وكان الحاج على شديد العطف على قطز والحب له، وقد أحس فى ضميره، بما أعطى من قوة الفراسة وصدق الحدس (الظن)، أن لا بد لهذا المملوك فى صباحة وجهه، ونبل خلاله (كريم صفاته) من سر يكتمه عن الناس جميعا. فاجتهد زمنا أن يكتشف هذا السر من صديقه الشاب فلم يوفق، إلا أن ظنه لم يزدد على الأيام إلا قوة عنده بما كان يؤيده من فلتات لسان صاحبه فى ثنايا (داخل) حديثه، فجعل يضم بعضها إلى بعض، ويستخرج منها صورة غامضة لأصل هذا الغلام.
فلما أقبل عليه حياه، وفرش له على المصطبة كعادته، وأخذ يعزيه فى وفاة مولاه ويعدد مناقبه (صفاته الحسنة) ومكارمه، فمضى قطز يشكو إليه ما أصابه من اضطهاد موسى بعد وفاة أبيه، وما منى به من فراق حبيبيه جلنار، وكيف أنه سئم (مل، المضاد اشتاق) الحياة بعدها، فجعل الحاج يلاطفه ويسليه.
موسى يلطم قطز، ويلعن أباه وجده:
وبينما هو كذلك، إذ أقبل موسى فدخل الباب وبيده سوط فلما دنا منهما نظر إلى قطز نظرة الغضب، وقال له : "ماذا تصنع هنا يا هذا ؟ أما تذهب لعملك فى القصر؟" فلم يجبه قطز وأشاح (أعرض، المضاد أقبل) عنه بوجهه، فاستشاط (احترق) موسى غضبا وأراد أن يضربه بالسوط فتلقاه قطز بيده وأمسك بطرف السوط فلم يقدر موسى على انتزاعه، وقال له قطز عند ذاك: "لوشئت لأوجعتك بسوطك هذا ضربا، فمثلك أيها السكير لا يقدر على مثلى، وما يمنعنى من البطش بك إلا احترامى لذكرى أبيك".
فلطمه موسى على جبينه فاحمر وجه قطز، ونظر إليه بعينين متقدتين (مشتعلتين لامعتين، المضاد منطفئتين) كأنهم جذوتان (جمرتا نار ملتهبة) من النار ملأتا قلب موسى رعبا، فانصرف عنه وهو يسبه ويلعن أباه وجده.
وقطز جامد فى مقعده على المصطبة، لا يتحرك ولا ينبس (يحرك شفتيه، المراد ينطق) ببنت شفة (كلمة) ، وسوط موسى فى يده، وعيناه عالقتان بالباب حتى اختفى موسى. فبقى هنيهة (زمنا قصيرا) واجما (ساكتا عن الكلام لشدة الحزن) على حاله تلك، ثم ارتمى على المصطبة، ساترا وجهة بيديه، وجعل يبكى بكاء شديدا، حتى رق له صاحبه، فطفق (أخذ، بدأ) يمسح على ظهره، ويقول له : "خفض عليك (هون على نفسك) يا قطز، فالأمر أهون من أن يثير دمعك، أتبكى من لطمة خفيفة من يد جبان ضعيف ؟ ".
قطز يفصح عن حقيقة أصله:
فرفع قطز إليه رأسه قائلا وقد تقلص دمعه: "سامحك الله، أتظن بكائى من تلك اللطمة ؟ إن بكائى من لعن أبى وجدى، وهما خير من أبيه وجده .
- "لا يدفعنك الغضب أن تقول ما ليس بحق يا قطز، أنت والله خير منه ألف مرة، أما أبوك وجدك فليسا بخير من أبيه وجده المسلمين، إذ شرف الإسلام فوق كل شرف".
- "أتظن أبى وجدى كافرين ؟ لا والله إنهما لمسلمان من آباء مسلمين".
فأظهر الحاج على الفراش استغرابه كمن يشك فى صدق ما يقول، فعز على قطز أن يظن به صديقه الكذب فاندفع يقول : "ألم تسمع يا حاج بجلال الدين بن خوارزم شاه الذى جاهد التتار؟".
- "بلى... ليس فى الدنيا أحد لم يسمع بالسلطان جلال الدين".
- " فأنا ابن جهان خاتون أخت جلال الدين، ووالدى الأمير ممدود ابن عمه، واسمى محمود، وإنما سمانى قطز اللصوص الذين اختطفونى، فباعونى، عاملهم الله بما يستحقون".
فتهلل (تلألا، وأشرق) وجه الحاج علي وقال: "الآن تحققت فراستى، وصدق ظنى فيك. والله الذى لا إله إلا هو لقد حدثنى قلبى أول يوم عرفتك فيه أنك لست مملوكا جلب من مجاهل ما وراء النهر وأنك ترجع إلى أصل كريم فلما بلوتك (اختبرتك) واختلطت معك عرفت أن لك سرا تكتمه عن الناس جميعا فحدست (ظننت، وخمنت) أنك ابن ملك أو أمير نكبه الزمان فألقاه فى أيدى باعة الرقيق، فما زلت من يومي أجتهد في معرفة سرك، وقد سألتك مرارا عن أصلك، فكنت تقول لى إنك لا تعرف عنه شيئا، ولكنى رجحت آجر الأمر أنك من أولاد جلال الدين بن خوارزم شاه".
فنظر إليه قطز مستغربا، وسأله :
- "هل عرفت ذلك قبل أن أخبرك الآن ؟!".
- إى (حرف جواب بمعنى نعم) والله قبل أن تخبرنى بزمان طويل".
- "شىء لعمر الله عجيب، كيف عرفت ذلك يا حاج علي ؟".
- "لما رجح عندى أنك من أولاد الملوك أو الأمراء جعلت أقص عليك من أنبائهم، وأختبر أثر حديثى في وجهك كلما ذكرت ملكا من الملوك أو أميرا من الأمراء، فكنت إذا ذكرت جلال الدين عندك ووقائعه مع التتار، ألمح تغييرا فى وجهك، واختلاجا (اضطرابا، وتحركا، المضاد سكونا) فى شفتيك وقد كررت هذه التجربة فأيقنت (تحققت، وتأكدت، المضاد تشككت) أن لك صلة بجلال الدين، ورجحت أنك من أولاده".
فتبسم قطز، وعجب من ذكاء صاحبه الحاج وفطنته وقال له : "الآن عرفت لماذا كنت مغرى (مغرما، ومحبا) بأخبار الملوك والسلاطين، تعيدها على مرة بعد مرة".
قطز يطلب مساعدة الحاج على الفراش:
وسكت قطز قليلا ثم ما لبث أن عاودته شجونه (أحزانه، المضاد أفراحه)، فقال بصوت يخالطه البكاء: "بالله يا صديقى الحاج ألا ما أشرت على ماذا أصنع فى مصابى هذا، فإنك ما علمت لذو رأي، إنهم أبطلوا وصية مولاى - رحمه الله - بعتقى وعتق حبيبتى جلنار، ولم يكتفوا بذلك حتى فرقوا بينى وبينها، فباعوها لرجل من مصر، إى والله لقد فرقوا بينى وبين جلنار ابنة خالى جلال الدين التى أحبها وتحبنى ونشأت معها منذ الصغر، ولم أفترق عنها إلا اليوم، قل لى كيف آوى (ألجا، وأحتمى) إلى هذا القصر وقد فارقه مولاى الشيخ الذى أكرم مثواى وتبناني، وخلا من جلنار التى كانت سلواى في هذه الحياة، وعزائى فى كل ما أصابنى من نكبات الأيام ؟ كيف أصبر على خدمة ذلك الوغد (الأحمق) اللئيم الذى سلبنى حريتى وسعادتى، وأمعن فى اضطهادى وإهانتى ؟ إن هذا القصرأصبح عندى كالجحيم، لا أطيق رؤيته، فما بال الإقامة فيه، ما لهؤلاء يستعبدوننى وقد ولدتنى امى حرا؟
أليس في الأرض من عدل ينصفنى من هذا الظلم؟ ما لى أراك صامتا يا حاج علي ؟ تكلم، قل لى ماأصنع في أمري". وهنا غلبه البكاء فعاقه (منعه) عن الكلام.
سكت الحاج على برهة كأنه يفكر فى طريقة لخلاص صديقه، أو فى جواب يقنعه ويرضيه، ثم قال له : "ولكن فى القصر سيدتك العجوز، وهي تحبك وتعزك، ولن ترضى أبدا أن يمسك من مومي أى سوء".
فقال له قطز: "نعم إنها تحبنى وتعزنى وتعتبرنى كولدها، وقد وعدتنى أن تجعلنى حين تقسم التركة من نصيبها فتعتقنى، ولكنها ضعيفة لا حول لها ولا قوة، وقد غلبها ابنها على كل شىء، ولا تقدر على صده أو منعه مما يريد. إنى أخشى أن أقع فى ملك يمين موسى (أصبح عبدا له) فينتقم منى، ويبالغ في إهانتى وتعذيبى، خلصنى يا حاج على، خلصنى !".
- "الله يخلصك يا بنى... هون عليك يا قطز فسيجعل الله من ضيقك مخرجا".
تفكير الحاج على فى طريقة لتخليص قطز:
- "دعنى من كلمات المواساة (التعزية) والتهوين والتعليل، فإنها لا تنفعنى شيئا، وفكر لى فى طريقة للخلاص مما أنا فيه من العذاب".
- "لقد فكرت لك فى طريقة للخلاص مما أنت فيه من العذاب، ولكن عليك أن تصبر يومين أو ثلاثة أيام ريثما أدبر هذه الطريقة".
- "سأصبر لك أكثر من ذلك، فقل لى بالله ما هى ؟".
- "سأقص على سيدى ابن الزعيم خبرك، فسيشتاق لرؤيتك حين يعرف أنك من أولاد السلطان جلال الدين، فقد كان مع شيخه ابن عبد السلام كثير الاهتمام بنجدة جلال الدين فى جهاده للتتار، فإذا قابلته فسأذكر له طرفا من حال موسى ابن الشيخ غانم معك واضطهاده لك، وسأعزز (أقوى) قولك عنده، فأقص عليه ما وقع منه اليوم فى حقك على مرأى منى ومسمع، وما أشك فى أنه سيرثى لحالك ويعطف عليك، فأشير عليه عندئذ بشرائك منهم، وما أحسبه يتأخر عن ذلك. وأعلم أنك ستسعد في خدمة سيدى ابن الزعيم، وسيكون لك مثل المرحوم الشيخ غانم أو خير منه".
- "حسبى أن أعيش بجوارك يا صديقى الحاج، ولكنى أخشى ألا يرضى موسى ببيعى لسيدك إذا علم أنى سأسعد عنده".
- "لن ندع موسى يعلم بشيء من هذا، وسيطلبك سيدى بنفسه من الوصي، ولن يتردد الوصي في إجابة طلبه، فاطمئن ولا تخف شيئا، فسأدبر كل شىء تدبيرا متقنا".
- "بارك الله فيك يا حاج على ، لقد فرجت كربى، فرج الله كربك يوم القيامة" .
وقام قطز عن مقعده من المصطبة قائلا: "دعنى أنصرف فأرجع إلى عملى فى القصر لعل مولاتي تحتاجنى، فقد أبطأت عليها في الرجوع، وغدا أراك إن شاء الله".
مناقشة الفصل السابع من قصة وا إسلاماه
- وقد خفف من حزنهما ما كان يجدان من بر مولاهما الشيخ غانم المقدسي وحسن رعايته و إحسانه فجعلهما يسلوان مصابهما .
- وكان قطز لا يشكو موسى لأبيه لئلا يؤذيه ويزيد في مرضه وكان كثيراً ما ينصحه بالإقلاع عما هو فيه من الشراب والفساد .
- ويدل ذلك على عطفها ووفائها حيث كانت تريد تنفيذ ما أوصى به زوجها .
من القائل لهذه العبارة ؟ ولمن قالها ؟ وما الذي ترتب عليها ؟
****
وفي ختام هذه الصفحة الممتعة بإذن الله. يسعدنا مشاركتكم لهذا الفصل مع جميع أصدقائكم المهتمين بالتعليم الإلكتروني. وجميع طلاب وطالبات الصف الثاني الثانوي علمي أو أدبي . وفقنا الله جميعا لكل ما يحبه ويرضاه.