عنترة بن شداد 2- البطل الثائر

الاستماع للمقالة:

     سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبابي أبنائي طلاب وطالبات الصف الأول الثانوي. يسعدني في هذه الصفحة من صفحات موقع الماس لتطوير الذات والتعلم الذاتي mr-mas.com أن أقدم لكم قصة عنترة بن شداد 2- البطل الثائر . ضمن منهج اللغة العربية.

    قصة عنترة بن شداد الفصل الثاني - البطل الثائر - أولى ثانوى ترم اول

    الجديد والجميل في هذا الموضوع بفضل الله هو عرض نص الفصل الثاني مكتوبا مع معاني الكلمات الصعبة بشكل شيق وجذاب. بحيث يتم الضغط على الكلمة للتوصل للمعنى أو المضاد أو المفرد أو الجمع وذلك للكلمة الملونة باللون الأحمر . وكذلك تحويل الفصل إلى سؤال وإجابة للتمكن من تحليل كل النقاط المهمة في الفصل الثاني من قصه أبو الفوارس عنترة بن شداد .

    نبدأ أولا بفيديو لملخص الفصل الثاني بالرسوم المتحركة (الكارتون cartoon) . اضغط هنا على هذا الرابط لبدء تشغيل فيديو الفصل الأول من قصة أبو الفوارس عنترة بن شداد. ضمن منهج أولى ثانوي ترم اول.

    ******

    ندم عنترة على إفصاحه عن حبه لعبلة:

    كان القمر يقترب من التمام في شهر رجب الحرام (الذى يحرم فيه القتان، المضاد الحلال). فلم يكن هناك ما يدعو عنترة إلى الخوف من غارة (هجوم) مفاجئة، فما كان العرب لينتهكوا حرمة (يستحلوها) ذلك الشهر الذى تعودوا فيه قضاء مناسك (عبادات) الحج إلى الكعبة أو إقامة أعياد آلهتهم في منازل قبائلهم. ولهذا سار يضرب هائما (سائرا لا يدرى أين يتوجه، ومتحيرا) حتى بسط (نشر)القمر نوره، ولاحت قمم رءوس النخيل والأشجار ممطبوعة على صفحة السماء كأنها لوحة فنان.

    كان في سيره يناجى نفسه بما فيها من شجون (هموم، وأحزان) وهموم، وقد وقع فى قلبه أنه أخطأ وأفصح.أو كاد يفصح (يبين، المضاد يخفي) عما كان يضمر (يخفى، المضاد يظهر) فى قرارة صدره من تعلق بالفتاة التى ملكت عليه فؤاده.

    نظرة عنترة لنفسه، ونظرة الناس إليه:

    كان يحدث نفسه بأنه لا يزيد فى نظر الناس على أنه عبد لا ينبغى له إلا أن يقوم على خدمة سادته الذين ائتمنوه. ولكنه كان مع ذلك يحس في نفسه غضبة وثورة. وكان يحس في نفسه أنه فتى الفتيان، وأنه بطل عبس كلها. فلقد طالما ناداه سادة القبيلة؛ ليفرج (يكشف، ويزيل) عنهم كربة (حزن، وغم، المراد شدة، ومحنة) الحرب إذا أغار عليهم الأعداء، وقد طالما لبى (أجاب) نداءهم وبرز فى صدر الفرسان، فلا يقف له العدو بعد أن يذوق من وقع لعناته ما يجعله يؤثر (يفضل) الهزيمة والفرار، فإذا ما انجلت (انكشفت) الكربة وعاد سادة عبس بالنصر وحملوا من أموال العدو وسلاحه ما غنمه لهم، حازوا (ضموا، وملكوا، المضاد فقدوا) ذلك كله لأنفسهم فقسموه بينهم ولم يجعلوا له إلا نصيبا ضئيلا (صغيرا، المضاد كبيرا)، فكانوا لا يجعلون له سوى نصف سهم من الغنائم، ويستأثرون (يخصون به أنفسهم، المضاد يؤثرون) هم بكل ما سلبه (انتزعه قهرا، المضاد وهبه، ومنحه طوعا) لهم من الأعداء. وكان مع ذلك لا ينطق بكلمة شكوى. فما كانت تلك الأموال كلها لتحمله (تغريه) على أن يتألم أو يشكو، ولكن شيئا واحدا كان يملأ قلبه حزنا وغضبا؛ وذلك أنه كان فيهم عبدا، لم يكن اسمه بينهم سوى عبد شداد.

    وكان كلما تأمل حاله تعجب من نفسه، كيف يرضى أن يقيم في قوم يحميهم ويدافع عنهم، ويجلب (يحضر، المراد يحقق) لهم النصر، ويحمل إليهم الغنائم ثم لا يجد منهم إلا الإنكار والبخل ولا يسمع فى ندائهم إلا قولهم : "عبد شداد"، وزاد من عجبه أنه كلما تذكر سيده شدادا أحس نحوه عطفا.

    حب شداد يملأ قلب عنترة:

    كان حب شداد يملأ قلب عنترة، فلا يزعزعه (يحركه بشدة، المراد يضعفه) شىء مما يزعزع حب القلوب، وكان شداد صورة البطل عند عنترة، وصورة السيد، كان يقسو عليه أحيانا ويعنف معه فى الحديث أحيانا، بل لقد كان أحيانا يمد إليه يده بالسوط (الكرباج) فيتحمل منه الضربة جامدا، ولا يزيد على أن يقون له : - لن تستطيع أن تصرفنى (تردنى، وتبعدني) عن حبك يا سيدى.

    عنترة يتساءل عما زعمته أمه :

    وكثيرا ما سأل نفسه : أحقا ما زعمته زبيبة أمه، إذ قالت له فى صباه إنه ابن شداد ؟ لقد سمع هذا القول يوما وهو صغير، فامتلأ قلبه فرحا وكبرا، ولكن أمه كانت توصيه ألا يعيد قولها للناس؛ خوفا من أن يغضب سيدها الصارم (الحازم القوى، المضاد المتهاون)، فلما كبر عنترة وصار فارس قومه أمسكت زبيبة عن قولها، فكان عنترة كلما أراد أن يسألها عن نسبه راوغتة (خادعته) وقالت له: إن شدادا سيدها الذى أكرمها ورباه وربى سائر (باقى) أولادها.

    ولكن عنترة كان يسأل نفسه كلما خلا بها: ألا يكون هذا الرجل حقا أباه ؟ فإذا لم يكن شداد أباه، فما سر ذلك الحب الذى يحمله له، ولا يستطيع أن ينزعه من قلبه مع كل ما يلقى من صرامته وكبريائه (تجبره) ؟

    حب عبلة يسيطر على عنترة:

    مضى عنترة يهيم في ضوء القمر وهو يسبح فى شجونه، وكان يحس أن الحركة فى ذلك الفضاء الذى يغمره (يغطيه) النور الرقيق تبعث فى نفسه راحة، وتخفف من شدة الثورة التى كانت تعصف (تشتد) بين أضلاعه. وكانت صورة عبلة تتمثل له عند كل خطوة يخطوها، كان يرى صورتها فوق كل صخرة متلألئة (لامعة، المضاد منطفئة)، وعند كل ثنية (منعطف) ظليلة، كانت صورتها تخفق في الفضاء اللامع وتنطبع على صفحة البدر المنير، فهل كانت عبلة حقا لا تزيد على أن تكون سيدة وهو عبدها، أو عبد عمها ؟ لقد لاحت (ظهرت، ويدت، المضاد اختفت) له الحياة باطلة كريهة عندما تأمل أنه لا يستطيع أن يجهر بما يحمله لها، فكان أحيانا يلوم نفسه على أنه قد اندفع فتكلم وأنشد الشعر حتى بلغ من الأمر أن سبب لعبلة حرجا وغضبا، ولكنه كان يعود إلى نفسه غاضبا ويلوم نفسه على أن يرضى بأن يبقى فى بني عبس عبدا، فما الذى يمنعه من أن يتكلم كما يتكلم الناس ؟ وما الذى يقعد به عن أن يتطلع إلى عبلة التى امتلأ قلبه بحبها ؟ فهل رضي بأن يقضى كل حياته عبدا خاضعا يكتم ما يحسه ؟ هل يرضى بأن يبقى بين قومه عبد شداد، فلا يسمح لنفسه بأن ينطق بكلمة تنم (تدل، وتشير) عن حبها ؟

    عنترة يقرر معرفة حقيقة نسبه:

    وكان كلما سرح به الفكر عاد فسأل نفسه عن حقيقة تلك الأقوال التى سمعها في صباه من أمه إذ قالت له إن شدادا أبوه، ألا يكون ذلك حقا ؟ وما الذى يمنعه من أن يذهب إليها فيسألها ويعرف منها حقيقة نسبه ؟ فإذا كان عبدا كما يزعمون وضع السيف فى صدره فخلص من الحياة، وأما إذا كان ابن شداد فلم يرضى بأن يكون بين الناس عبدا ؟ ولما استقر على هذا الرأى أحس أن نور القمر يزيد فى عينيه بهاء، وأن نسيم الربيع يهب على جبينه المتقد (المشتعل) أكثر رفقا، وأن رائحة الزهر تنبعث إلى شمه أزكى (أطيب) عطرا، وأن منظر الشعاب ورءوس النخيل والشجر يبدو له قطعة من عالم سحري يفيض جمالا، ويناديه أن يزداد تعلقا بالحياة.

    شيبوب يفاجئ عنترة:

    وعاد إلى مضرب الخيام خفيفا بعد جولته، وذهب قاصدا إلى خباء عبلة؛ ليرى كيف باتت، وليدور حول الأخبية قبل أن يذهب إلى مضجعه (مكان نومه) ليستريح. ودار حول آخر ثنية تفضى (تؤدى، وتوصل)إلى فم الوادي، وهو منصرف إلى هواجسه (خواطره، المراد مخاوفه)، فسمع صوتا يناديه من ورائه : أما إنك لحارس غافل. فالتفت من المفاجأة، ولكنه تسمر عندما رأى أخاه شيبوبا واقفا فى ظل الثنية بقامته الطويلة والرمح فى يمينه مغروز فى الرمال.

    فقال يخاطب أخاه: لم يكن غيرك ليفعل ذلك أيها الخبيث. فقال شيبوب : بئس حارس القوم أنت، تبعد عن منازل النساء وتخلو بنفسك إلى مثل هذا الوقت من الليل ؟ فقال عنترة: ألسنا في الشهر الحرام ؟ فقال شيبوب ضاحكا : وهل منع الشهر الحرام من أراد الانتقام ؟ فقال عنترة في كبرياء : صدقت، ولكن العدو لا يجرؤ على أن يقترب منى. فقال شيبوب : وهل يجد العدو مثل هذه الليلة ؟ إنك لتناجى (تحدث سرا) النجوم كأنك تحدثها. لقد رأيتك وأنت سائر، واتبعتك ببصري حيث سرت، وقد خيل إلى أنك تخلوإلى شيطانك (المراد إلهام الشعر).

    شيبوب يمازج عنترة:

    فقال عنترة: نعم يا شيبوب، قد صدقت. إننى أخلو إلى شيطاني، وإني لأنظر إلى النجوم، فيخيل إلى أنها تحدثنى. فقال شيبوب ضاحكا: ألا تقول لى ما أوحت به إليك ؟ فقال عنترة في حزن : كانت تصيح بى : أيها العبد، لم جئت إلى هذه الأرض ؟ فقهقه شيبوب، وقال : إنها إذن لحمقاء، لقد أتيت إلى هذه الأرض كما يأتي الناس جميعا، تقذف بهم أمهاتهم إليها.

    عنترة يستنكر العبودية:

    فقال عنترة: صدقت، إنها أمى التى قذفت بي إلى هذه الأرض، إنها هي التى جاءت بى إلى هذه الحياة؛ لأرعى إبل شداد، ولأقضى نهارى وليلى في فيافي (صحارى واسعة) أرض الشربة؛ لأحمي إبله من الذئاب والسباع. هى التى قذفت بى إلى عبس؛ لكى أحارب من أجلهم، وأحوز لهم الغنائم التى يسمنون عليها، ثم يمرون بى فينظرون إلى بمؤخر أعينهم قائلين : "هذا عبد شداد".

    فقال شيبوب فى خفة : أهذا ما دفعك إلى السير؟ فقال عنترة فى حزن: نعم، هذا ما دفعنى إلى أن أهيم على وجهى، وكان يلهب ظهرى كما يلهب السيد ظهر عبده بالسوط.

    عنترة يعتذر لشيبوب، ويشيد بصفاته:

    ومد يده فأخذ شيبوبا من ذراعه وذهب به إلى جانب، فجلس إلى جانبه وجعل يمسح رأسه مداعبا، ثم قال له بعد حين : -لا تؤاخذني بما قلت، فإنى أحبك يا ابن أمى. إني أعرف أنك الرجل الذى يحبنى أشد الحب وأخلصة. وإنك عندى لأكرم من هؤلاء السادة الذين يشمخون بأنوفهم (يتكبرون، المضاد يتواضعون) كبرا وهم لا يساوون شيئا. إنك لسريع الجرى كالظليم (ذكر النعام). إنك لشجاع القلب طيب النفس لولا هذا الرعب الذى يعتريك (يصيبك) عند القتال. فأنا أحبك يا شيبوب وأجل (أعظم، المضاد أحقر) مكانك، وإن كنت أخالفك فى رأيك فيما تذهب إليه.

    منهج شيبوب فى الحياة:

    فتملص (تخلص) منه شيبوب برفق ونظر نحوه باسما حتى لمعت أسنانه البيضاء في ضوء القمر، وقال له : إني والله أحبك وأرثى لك من هذه الوساوس التى تؤرقك وتضنى (تعذب) قلبك، دعنى أيها المسكين أمض لشأنى فإنى تركت فى خيمتى ثريدا (فتة الخبز بالمرق) وقمت أبحث عنك منذ أبطأت فى جولتك، فقد خشيث أن يكون قد أصابك شر، فتبسم عنترة، وقال : عد إلى ثريدك فانعم به ولو كان فى قلبى فراغ لشاركتك. فقال شيبوب وهو يهم بالقيام : كل أيها الرجل واشرب. فوحق مناة (اسم صنم كان يعبد فى الجاهلية) ما يخرج المرء من هذه الحياة إلا بهذين: الطعام والشراب.

    فنظراليه عنترة فى هدوء، وقال: اجلس يا شيبوب وحدثنى، فإنى أحب أن أحس وجودك معى. إنني أحس في وجوارك شيئا يشبه ما يحسه الطفل في جوار أمه.

    زبيبة تراوغ عنترة:

    فضحك شيبوب، وقال: ليت زبيبة أمك تسمع قولك هذا. إنها تقتل نفسها هما من أجلك وتقطع قلبها حزنا عليك. فغمغم (تكلم بغير وضوح) عنترة كأنه يحدث نفسه: لقد طالما سألتها عن أبى وتأبى إلا أن تراوغنى (تخادعنى) في الجواب كلما سألتها. لقد سمعتها يوما تقول لى : إننى ابن شداد. ولكنها لا ترضى أن تعيدها على سمعى، وكلما رأيت ذلك الرجل الذى يدعونه سيدى ويدعوننى عبده، هممت (عزمت، المضاد تراجعت) أن أسأله فتخوننى قوتي.

    شيبوب يرضى بعبوديته رغم أنه ولد حرا:

    فضحك شيبوب، وقال: عذب نفسك كما شئت أن تعذبها، وأما أنا فقد رضيت بأننى شيبوب عبد شداد وابن زبيبة. لقد كان أبى من صميم جلدتي (عشيرتي)، أذكر منذ كنت طفلا صغيرا أنى كنت أعيش حرا في بلادى هذه قبل أن أحمل إلى هذه الصحراء، ولا أزال أذكر أبى وهو عائد إلى البيت يلبس جلد النمر فوق كتفه، نعم أذكر تلك الأيام البعيدة كأنها حلم غامض، وكنت أنعم فيها بحريتى أذكر ذلك كله، وأمتلئ كبرا؛ لأننى لم أولد عبدا، ولست أحب أن يكون لى أب سوى ذلك الأب الذى جاء بى، وأما أنت فلست ترضى إلا أن تكون ابنا لأحد هؤلاء الجفاء الغلاظ الذين يسومونك الهوان (يذلونك، معنى الهوان : الذل، مضاد الهوان : العزة) فاطلب من شئت منهم من الأباء. وهم أن يمضى (يذهب، المضاد يعود) في سبيله ولكن عنترة جذبه إليه من ساعده، فأجلسه فى عنف.

    شيبوب يخفف من هموم أخيه:

    فصاح شيبوب قائلا: أما إنك لفظ (جافي، ومسىء) عنيف إذ تجذبنى هكذا فتكاد تدق عظامى. دع ذراعى، فإنك تعصرها عصرا مثل كلاب (كماشة) الحديد، ومازلت منذ الليلة تحمل على وتعنفنى. فقال عنترة باسما: لا تواخذنى يا شيبوب؛ فإننى الليلة سيء النفس، وقلبى ممتلئ حزنا، ولكنى لا أجد فى الناس من ينفس (يفرج) عنى سواك (غيرك)، إنك الرجل الذى أثق في عطفه إذا تحدثت إليه، وآمن جانبه إذا انصرف عنى، وأطمع فى عفوه إذا عنفت عليه، أنت شريكي فى حربى، وبك أحمى ظهرى. عينك الحادة تبصر لى ما خفي عنى، وساقك تسعى فى حراستي. فحدثنى واصدقنى، فنحن فى هذه الحياة وحيدان، لا يعرف أحدنا إلا أخاه، ولست تجد يا شيبوب في هذه الأرض من هو أحنى (أرحم، وأعطف، المضاد أقسى) عليك منى، ولا من يعرف قدرك مثلى.

    مكانة عنترة عند شيبوب:

    فوقعت هذه الكلماث موقعها من شيبوب، فعدل عن عتبه. وصمت حينا ثم قال : لست أحب أن أبعث إلى نفسك ما لا تحب يا عنترة، إن ما يرضيك أحب إلي مما برضينى. ولقد كنت لا أعرف لى صاحبا حتى ولدت أنت فوجدت فيك رفيق لعبى، ثم كبرت وقوي ساعدك فوجدت فيك أملا جديدا، فلما بلغت مبلغ الرجال، وصرت فارس عبس أصبحت عدتى وملاذى، فأنا بك مباه (مفاخر، المضاد معير) معجب، أحس أن ما تبنى من المجد هو مجدى، وأن ما تنال من السعد هو سعدى، ولست أبالى أنك ابن أمى، فإننى معك كأننا نسير في مفازة (صحراء) لا نجاة لأحدنا إلا بأن يسلم صاحبه؛ ولهذا كنت في نصحى لك ألتمس أخف الأقوال عليك، فلا أظهر لك رأى إلا في قول عابث (لا فائدة فيه)، يقع من نفسك وقعا لينا، ولكنى أظن أن أمرك يوشك (يقرب) أن يصير إلى عقدة لا ينبغى لك ولا لى أن نغفل عن حلها.

    عنترة يعجز عن وصف صوت عبلة:

    وعند ذلك سمع صوت غناء ينبعث من ناحية الخيام، يحمله النسيم متدفقا متموجا كأنه صوت الجن ينبعث من بطون الفلاة (الصحراء). فقال عنترة يقطع حديث أخيه: أما تسمع هذا الصوت يا شيبوب ؟ إنها ما زالت مع صاحباتها تغنى. فقال شيبوب: وماذا يكون لهن إذا لم يكن الغناء حينا والبكاء حينا؟ فقال عنترة في صوت لين: إنه صوتها. لست أخشى يا شيبوب أن أتحدث إليك عنها، بل يطيب لى أن ألهج (أتحدث) معك بذكرها. إن صوتها يقع فى شغاف (أعماق) قلبى، وكل نغمة منه تسرى فى عروقي.

    فضحك شيبوب قائلا : إنك تأبى إلا أن تقول الشعر في كل ما تنطق به عنها، إننى أرحمك ولا أملك أحيانا إلا أن أعجب منك كيف تنظر إليها.

    النساء كلهن سواء عند شيبوب:

    فقال عنترة: وأنى (كيف) لك أن تدرك ما أحسه وأنت لم تقاس مثل حبى ؟ فقال شيبوب : ما لى والحب يا عنترة ؟ إن النساء بعضهن من بعض، فليس لإحداهن عندى على الأخريات مزية. فما الذى يحملنى على أن أرى في واحدة ما لا أراه فى سواها ؟ كلهن يرقصن ويغنين ويضحكن ويثرثرن ويأكلن ويشربن، وكل منهن تتطلع إلى من يحب غيرها؛ لكى تكيد لها وتهزمها، لا فرق بين واحدة وأخرى.

    شيبوب يخشى على عنترة من حبه لعبلة:

    وسكت الغناء عند ذلك. فقال عنترة : ماذا كنت تقول يا شيبوب ؟ أعد علي قولك فإنى لم أكن أسمعه، امض في حديثك يا أخي، فإنه يقع على سمعى وقوع الندى على العشب الأخضر. فقال شيبوب جادا: إنك تعذب نفسك بهذا الوهم الذى يملكها، فأنت ترى عبلة بعين غطى الحب عليها، واخشى عليك عاقبة هذا الوهم الذى يضللها. فقال عنترة ساخرا: ومم تخشى علي ؟ فقال شيبوب: نعم، أخشى عليك، أخشى عليك أهلها وقومها. إنك تحسب أنك منهم وهم لا يرون إلا أنك عبدهم. أخشى عليك أباها مالكا وأخاها عمرا فهما لا يضمران لك حبا. عرفت ذلك ولمسته، وسمعته.

    حديث الناس عن حب عنترة لعبلة:

    أتظن أن الناس لا يتحدثون عن حبك لعبلة ؟ أما سمعت الفتيات يتضاحكن ويتغامزن وأنت تنشد ؟ لقد كنت أراك وأراهن، وأسمعك وأسمع أحاديثهن، وإنهن ليمكرن بك، ويقلن فى خلواتهن ما لا تسمع منهن، إن الناس يتحدثون عنك، وأنت تحسب أنك تخفى حبك في ثنايا صدرك. فما اجتمع قوم في ناد إلا ذكروها وذكروك، ولكنهم يذكرونك فى همس ليزيدوا من النقمة (العقوبة) عليك. يقولون إنك تقول الشعر فيها، ويقولون إنك قد جعلتها بين الناس حديثا، ولم أكن هازلا (مازحا، المضاد جادا) وأنا أقول لك الليلة : إن سرك يأبى إلا أن يذيع.

    فقال عنترة فى شىء من الغضب : وهل يخيفنى أن يعرفوا ؟ لقد كنت أخفى عن الناس ذكرها خوفا منى عليها لا خشية منهم على نفسى.

    شيبوب يحذر عنترة من عبلة:

    فقال شيبوب : وهل غرتك (خدعتك) تلك البسمات التى تراها منها ؟ إنها لا ترى فيك إلا عبدا مطربا، إنها لا تشتهى إلا حديثك وشعرك؛ لأنها فتاة معجبة بنفسها. فتحرك عنترة فى غيظ، وقال فى صوت أجش (غليظ، المضاد رقيق): بل تكذب يا شيبوب ويكذب من يقول مثلها.

    فقال شيبوب مترددا: وإنهم ليقولون ما هو أقذع (أقبح) من ذلك فيك أنت غر تتطلع إليها. فقال عنترة في صيحة مكتومة : لا يخفى ذلك على يا شيبوب، وقد سمعته بأذنى منذ كنت طفلا. ولقد كانت الكلمات تقع على أذنى وقع الطعنات من الرماح المسمومة، ألا تذكر كيف أثور بمن يعيرنى بأمى فأثب عليه وأكاد أفترسه افتراسا ؟ ولكن مهلا يا شيبوب، وكن أنت على الأقل بى رفيقا، ولا تعد هذه الأقوال على أذنى. فقال شيبوب هازئا: ليتنى كنت لا أحبك فكنت أمتنع عن كل كلمة تؤذى سمعك، ولكنى لا أقدرأن أحجب عنك ما عندى. إنى أشفق عليك من عبلة نفسها، فصاح عنترة: إنك تكذب! إنك تكذب! فقال شيبوب فى عناد : لا، بل أنت الذى لا تريد أن تعرف الحق. إنك تحبها، وهذا الحب يحملك على أن تخدع نفسك عنها، ولا تريد أن ترى ما أمامك. أتحسب أن عبلة ترضى بك زوجا ؟ أتحسب أنها تختارك على سادات قومها؟ لعمرى (أقسم بحياتى) إنها لو سمعت أنك تخطبها لضحكت قائلة : لا أريد من عنترة إلا شعرا.

    عنترة يخشى على عبلة لا على نفسه:

    كاد شيبوب يمضى في حديثه لولا أنه سمع أخاه يغمغم بلفظ لم يتبينه، فسكت حينا، ثم اتجه إليه قائلا: أكنت تقول شيئا ؟ فلم بجب عنترة بل مضى فى غمغمته حينا، ثم نطق بشعر يمد به صوته فى رفق ورقة : أعاتب دهرا لا يلين لعاتب * وأطلب أمنا من صروف (مصائب) النوائب (الكوارث) ولولا الهوى ما ذل مثلى لمثلهم * ولا روعت (أفزعت، المضاد أمنت) أسد الشرى (الأشداء الشجعان، معنى الشرى : مكان تكثر فيه الأسود) بالثعالب سيذكرنى قومى إذا الـخيل أقبـلت * تجول (تطوف) بها الأبطال من كل جانب ولما انتهى من إنشاده اتجه إلى أخيه قائلا : - أحس كأن ثقلا يهبط على صدرى، إننى أعذرك يا شيبوب، فلست تقدر على أن تنظر بعينى ولا أن تحس بقلبى، وقد تكون أسعد حظا منى، ولكنى لا أرضى أن أكون إلا كما ترانى. ماذا كنت تقول لي فقد كنت عنك لاهيا(منشغلا) ؟ فقال شيبوب ضاحكا : لن أعيد عليك قولى، إنك تهرب منى بسمعك كلما ظننت أننى قد وجدت إليك سبيلا، ولا أملك إلا أن أعجب منك كلما رأيتك تخضع لهذا الوهم أهذا أنت عنترة الذى يملأ معامع الحرب هولا (فزعا) ؟! فقال عنترة في هدوء: أظنك كنت تخوفنى غضب مالك، وابنه عمرو وقومهم من عبس إنني ساخط عليهم جميعا، ولست أخشى أن يكونوا كلهم علي غضابا، لست أبالى مالكا ولا ابنه ولاقومه إذا هم علموا حبى، قد كنت أكتمه عنهم حتى لا يصيب عبلة منه شىء، أتخوفنى بغضبهم على أنا؟ وحق مناة وآلهة العرب كلها ما أزنهم جميعا بقطرة من دمع عبلة إذا مسها ما يبكيها، وسكت لحظة ثم قال : إنها أملى في الحياة، ولولا هذا الأمل لما بقيت فوق الأرض يوما. فقال شيبوب هازئا: إذن فأحرق كبدك فى تمنى ما لا سبيل إليه. فقال عنترة فى حزن: لست أملكه حتى أصرفه عنها.

    عبلة تغنى بشعر عنترة:

    وعاد صوت الغناء فجأة وحملة النسيم كما كان يحمله من قبل متموجا متدفقا. فقال عنترة: اسمع يا شيبوب فإنها تغنى. وأصاخ (استمع) بسمعه ينصت إلى الغناء ثم قام خفيفا، وقال مبتهجا: ألا تحب أن نقرب من خبائها لنسمع ؟ ثم جذب أخاه من يده، وسارا نحو الخيام، فلما اقتربا حتى استطاعا تبين اللفظ وقف عنترة فجأة، وقال فى صيحة مكتومة : لقد صح ظنى يا شيبوب، أما تسمع ؟ إنها تغتى بشعرى، ثم اندفع مسرعا بين الخيام، فرأى الفتيات والنساء فى وسطها يجلسن فى حلقة حول النار، ونور القمر يسطع باهرا، فلما رآه النسوة صحن: هذا عنترة.

    وقعت عينه فى عينى عبلة فقامت على استحياء (خجل، المضاد تبجح) مسرعة إلى خبائها، وبنات عمها يتعلقن بأذيالها ليمسكنها. وقضى عنترة الليلة مع أخيه على جانب الكثيب (الرمل) ينشده من شعره، وقلبة يفيض بشرا (فرحا، وسرورا، المضاد حزنا).

    مناقشة الفصل الثاني من قصة عنترة بن شداد

    لماذا كان عنترة يضيق بقومه ؟ ولماذا كان راضياً بحاله ؟
    كان يضيق بهم لأنه يجلب لهم الانتصارات ويأتي لهم بالغنيمة ، وأنه بطل حروبهم الذي يرد عنهم أعداءهم ، ومع ذلك ينكرون بنوته لشداد وينادونه بعبد شداد ، ولا يعطونه من الغنائم التي يحرزها إلا القليل . وكان راضياً بذلك لحبه لشداد وتعلقه بعبلة .
    ما سر حبه لشداد ؟ وما مظاهر هذا الحب ؟
    سر حبه لشداد إحساسه بأنه ابنه الحقيقي كما زعمت زبيبة أمه . - ومن مظاهر هذا الحب أنه كان يرى فيه صورة البطل وأنه يزيد تعلقه به رغم قسوته عليه أحياناً .
    {أما إنك لحارس غافل} من قائل هذه العبارة ؟ وما صلته بعنترة ؟
    القائل هو شيبوب وهو أخو عنترة من أمه تربى في حجر شداد ويتميز بالسرعة والخوف وهو موضع سر عنترة .
    لماذا كان عنترة يكره أمه ؟ وما الفرق بينه وبين شيبوب ؟
    كان يكره أمه ؛ لأنه شعر أنها هي سبب شقائه في هذه الحياة إذ ولدته عبداً . - والفرق بينهما أن شيبوب ينظر للحياة ببساطة وبدون تعقيد لأنه يرى نفسه حراً وهو قانع أنه سوف يعيش عبداً .
    لكل من(عنترة وشيبوب) وجهة نظر في الحياة والمرأة . وضح ذلك . وبين رأيك .
    (عنترة) : يرى أن الحياة بغير حرية لا تساوى شيئاً ، وأما المرأة عنده فهي ذات قيمة كبير إذ هي سبب الشقاء أو السعادة . - أما (شيبوب) : فيرى أن الحياة بسيطة يجب أن نحياها كما هي و بغير تفكير فيها : والمرأة مصدر من مصادر المتعة عنده وسبب من أسباب السعادة ، ولا خلاف بين النساء فهي التي تنوح على الرجل إذا مات ، وتقول عنه ما لا يحدث . - وأنا أرى : أن الحياة هبة من الله لابد أن تكون لهدف سام ، ولا تكون عشوائية ، والمرأة هي الطرف الثاني في الحياة لا تقوم إلا بها ، فهي الأم والابنة والأخت والزوجة ولا سعادة بدونها .
    مما حذر شيبوب عنترة ؟ ولماذا ؟ وهل استجاب عنترة له ؟
    حذره من قوم عبلة وأهلها ، خاصة أباها وأخاها عمرو بن مالك لأنه يحس بخبره ينتشر بين الناس وسوف يصل إليها كما حذره من خداع الحب وبين له أنها لا تحبه ولكن تحب شعره وحديثه إرضاء لغرورها . - ولم يستجب عنترة له ؛ لأن حبها يسيطر عليه ويرى أنها تحبه كما يحبها ولذلك تهون كل الصعاب .
    ما أثر غناء عبلة عليه ؟ وما دوافع هذا التأثير ؟
    عندما سمعه أحس بالنشوة والسعادة وفاض قلبه بشراً وسروراً - كان الدافع وراء هذا التأثير حبه الشديد لها .

    ******

    وفي نهاية هذه الصفحة الممتعة بإذن الله. يسعدنا مشاركتكم لهذا الفصل مع جميع أصدقائكم المهتمين بتطوير التعليم والتعليم الإلكتروني. وجميع طلاب وطالبات الصف الأول الثانوي. وفقنا الله جميعا لكل ما يحبه ويرضاه.

    أحدث أقدم